مادة صُحفية كادت أن تودى بحياتها

غزة – cmc- نورهان المدهون || في مكتبها المتواضع استقبلتنا الصحافية الشابة مها شهوان (30 عاماً) وبادرت بالسلام بابتسامة عريضة ارتسمت على وجهها بينما كانت برفقة زميلاتها الصحفيات الثلاث اللواتي احتضنّ بعضهنّ في صورتهنّ المعلقة على إحدى جدران غرفة المكتب.
تعمل  شهوان مراسلة صحفية لجريدة الرسالة التي تصدر من غزة، وتعرضت خلال عملها للتهديد بسبب مادة صحفية مكتوبة نشرتها في الجريدة.
تقول مها:” كُلفت بزاوية “ملفات القضاء” وهي زاوية أسبوعية ثابتة في الجريدة، والتي تتناول قضايا يتم معالجتها اجتماعياً ودينياً وقانونياً، بهدف توعية القارئ، وردعه عن ارتكاب الجرائم”.
وتكمل: “حَرصت في كتابة القصص على استخدام الأسماء المستعارة، خوفاً من افتعال مشاكل مع أصحاب القصص، وفى ذات المرات ذكرت الاسم الأول للمتهم، ولسوء الحظ تطابق الوصف المذكور في القصة لشخصيته الحقيقية”.
قصة ذلك الشاب الثلاثينى، الذي عمل مدرساً خصوصياً لطلبة المرحلة الإبتداية، واعتاد على ارتكاب الأفعال الشائنة والممارسات اللوطية مع تلاميذه، كانت بمثابة القنبلة الموقوتة التي انفجرت في وجه الصحفية التي قامت بتوثيقها.
وتستطر شهوان بينما ترتشف قهوتها الساخنة بحذر بفنجانها الكلاسيكى المزخرف، قائلة: “فوجئت بأهل المتهم يقتحموا مقر الجريدة، ويتهجموا علىَّ دون احترام للمكان، وينهالوا بالسب واللعن والوعيد، حينها حاول المدير والزملاء تهدأتهم والحديث معهم لينصرفوا من المكان”.
ظنت “مها” أن المشكلة انتهت بذلك التهجم، ولم تتوقع من أفراد عائلة المجرم مضايقتها من خلال التهديد بالقتل والتوعد بتشويه سمعتها وتشويه وجهها بمواد حارقة، واستخدموا لذلك كافة وسائل التواصل من إتصالات هاتفية، ورسائل نصية على الهاتف المحمول، واستخدام مواقع التواصل الإجتماعي ” فيسبوك” و “تويتر”، مما اضطرها لتغيير رقم هاتفها وإغلاق كافة حساباتها على مواقع التواصل الإجتماعي.
وتضيف: “وصل التهديد بالقتل، والسب والشتم بأبذأ الألفاظ لزوجي الذي طالما ساندني ووقف إلى جانبي وكان من أكثر الداعمين، رغم التهديد المستمر ومطالبته بتطليقى والإنفصال عني”.
“حياتى وزوجي فى خطر، دافعوا عنى، أنا عملت في هذه الجريدة بكل صدق وإخلاص لمهنة الصحافة” بهذه الكلمات توجهت شهوان لمديرها، بعد أن طبعت كافة التهديدات التي وصلتها، ووضعتها على مكتبه ليَطلع عليها، منتظرة منه دعمها والوقوف إلى جانبها.
تقطب حاجبيها غضباً، وتكمل: “أوقفتنى الجريدة عن العمل في زاوية – ملفات القضاء-  ولم أجد من يدافع عنى، حيث تطورت المشكلة عائلياً، بعد أن اكتشفت النسب بين عائلتي وعائلة المذنب، وتم اتهامي بنشر المادة مقابل تقاضى المال للتشهير بعائلة المتهم”.
شعرت شهوان بالإمتعاض وتزعزُع الثقة بينها وبين عائلتها، فاضطرت للتوجه للمباحث حاملة التهديدات التي وصلتها، وآملة في الإنصاف وتحقيق العدالة، فصُدمت بالتخاذل منهم رغم مراجعتها عدة مرات.
وتقول: “بعد إصرارى الشديد على المطالبة بحقى في الحماية، تم استدعاء الأشخاص الذين هددوني، واحتجازهم لساعتين، وتم الضغط علىَّ من المباحث والأهل للتنازل عن الشكوي وإنهاء الخلاف”.
تنازلت الصحفية مرغمةً عن الشكوى، وعبرت عن ندمها لفعلتها وتمنت أن يعاد الزمن لتطالب بأن يأخد القانون مجراه ويُعاقب كل شخص تعرض لها وتسبب في أذيتها وعائلتها.
تلتقط الصاحفية شهوان أنفاسها وتسند ظهرها إلى كرسيها، ولسان حالها يتحدث عن تعرض الصحفيين للعديد من الإعتداءات والإنتهاكات والتهديدات لإخراسهم والحد من حريتهم التي اكتسبوها بفعل نضالهم المتواصل في الدفاع عن رسالتهم العادلة ، ليتنافى ذلك مع القانون الأساسي الفلسطيني المعدل الحريات الصحفية في المادة (19)، والذى نصّ على حرية الرأي والتعبير بالنشر والقول والكتابة والأشكال المختلفة.

صدرت هذه القصة ضمن مشروع ” الشابات يناصرن حقوقهن كحقوق انسان” @2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى