15 شهرًا على فقدان لولا وخلود لم تفقد الأمل
15 شهرًا على فقدان لولا وخلود لم تفقد الأمل
غزة- هيا بشبش:
“15 شهرًا مرّوا على فقداني لطفلتي لولا، لم أسمع أي خبرٍ عنها، لكن لديّ يقين أنني ذات يومٍ سأجدها”.
هكذا لخّصت خلود السقا (33 عامًا) حكاية فقدان طفلتها وائلة التي ينادوها بـ”لولا” منذ الأيام الأولى للحرب، حين كانت تبلغ عامان ونصف، وفشل كل محاولاتا البحث عنها، أو حتى العثور على أي معلومة تخصها.
تعيش خلود حاليًا مع شقيقها داخل غرفةٍ صغيرةٍ بمدينة غزة، بعد قصف الاحتلال الإسرئيلي لبيتها في منطقة عسقولة جنوب مدينة غزة، بعدما ضاقت بها السبل في البحث عن مكانٍ آمن.
وفي تفاصيل الحكاية، فقد كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي شنّها منذ 7 أكتوبر 2023م، بمثابة كابوس ورعب لكل ما عاشته خلود بعدها، فحين أجبر الاحتلال الإسرائيلي سكّان شمال القطاع على النزوح إلى جنوبه، بقت خلود وعائلتها ببيتهم.
تقول خلود: “معظم سكان الحي نزحوا إلى الجنوب، ولم يتبقَّ سوى نحن وجيراننا من عائلة حمدان”.
صمتت لحظة لتعود بذاكرتها إلى يوم 23 أكتوبر 2023م، حين قصف الاحتلال منزل عائلة حمدان الملاصق لبيتهم، وتعرضت هي لإصابة شديدة وكسور في الحوض والفقرات والكتف.
توضح: “كنت الحالة الأصعب بين المصابين، باقي العائلة إصاباتهم طفيفة، نُقلت بالإسعاف إلى مستشفى القدس غرب مدينة غزة، وحدي لا أحد معي، ولا أعلم شيئًا عن البقية، ظننت حينها أن طفلتي مع والدها وأسرته، وهم اعتقدوا إنها معي، في حين تم نقلها إلى مستشفى الشفاء وحدها بالإسعاف وهذا ما علمناه لاحقًا”.
مررت خلود أناملها على صورة لولا التي حتمًا تجاوزت الثلاث سنوات ونصف الآن، وتمتمت: “ترى هل تذكرني؟ هل نست ملامحي؟ لا يهم، المهم أنني أذكرها، ولا تغيب عن قلبي ولا عقلي”.
تتنهد وتكمل: “في اليوم التالي للقصف نزح زوجي وصفي السقا ومعه طفلي جمال (7 سنوات) إلى منزل أهلي، وبعدها خرجت من مستشفى القدس إلى منزل أهلي واكتشفنا فقدان لولا، وبدأ الجميع البحث، بعد اليوم الثالث اتصل بنا رجل من مستشفى الشفاء وأخبرنا أنها بصحبته، خبر أثلج صدرونا، ذهب أخي بسرعة ولكن عندما وصل للرجل قال إنه عندما دخل إلى غرفة الأشعة تركها مع أحدهم لحين خروجه، وحين خرج لم يجده، ووجد المستشفى في حالة فوضى”.
“عاد وهي ليست معه”، تقول خلود التي كانت تنتظر احتضان طفلتها، وعادوا للبحث عن لولا، وخلال أسبوع الهدنة التي أعلنت بيٍن الفصائل الفلسطينية والاحتلال يوم 24 نوفمبر 2023م، لكن انقطع البحث يوم 2 ديسمبر 2023م!
تشرح: “في ذلك اليوم، تناولنا العشاء، وتجمّع إخوتي وأمي وزوجي وابني حولي، فأنا كنت مصابة بالكسور ولا أتحرك”، أجهشت بالبكاء وهي تكمل: “فجأة تم قصف البيت واستشهدوا جميعًا ومعهم ابني جمال وزوجي وصفي، لم ينجُ من القصف سوى شقيقي الذي كان خارج المنزل ووالدي الذي كان يعمل في الداخل المحتل، ولم يعد إلى غزة”.
“صدمة كبيرة، أنا قوية ولكن ما جرى فوق احتمالي، شعرت لفترة أنني مغيبة، دخلت في حالة صدمة، نزحت مع أخي إلى منزل خالتي يوم 4 ديسمبر 2023م، ثم نزحنا جميعًا إلى مستشفى الشفاء بسبب شدّة القصف وتهديدات جيش الاحتلال المستمرة، تقول خلود.
تكمل خلود: “في فبراير 2024م، عادت خلود وشقيقها من مستشفى الشفاء، طوال هذه المدّة لم تتوقف محاولاته في البحث عن لولا، خاصة أنني أعاني من كسور في الحوض، حتى والدي يتواصل مع أي شخص يمكن أن يدلنا على مكان تواجد لولا”.
ويخالف مع تعرضت له خلود بنود اتفاقية جنيف الرابعة، التي حظرت في مادتها (3) الاعتداء على المدنيين بالقتل والتشويه، كما حظرت التهجير القسري لهم.
وزّعت خلود بيانات طفلتها وصورها على العديد من المؤسسات من بينهم اليونيسيف الذي أخبرها بأن مشكلة الأطفال المفقودين تُحلُّ بعد الحرب، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين أخبروها بانشغالهم في قضية الأسرى الإسرائيليين، تتساءل بحزن:” أي قلب سيتحمل الانتظار؟
وتنص المادة (133) من اتفاقية جنيف الرابعة، على تشكّل لجان للبحث عن المعتقلين المفقودين بعد انتهاء الأعمال العدائية أو الاحتلال، بالاتفاق بين الدولة الحاجزة والدولة المعنية.
تتمتم بقولها: “هي العوض الذي أنتظره لتعود السعادة إلى تفاصيل حياتي، منذ شهر عدت للحركة بصورة طبيعية، ذهبت ثلاث مرات لرؤية أطفال بمواصفات لولا تتبناهم أُسر، ولكن لم تكن هي، لذلك أكملت البحث مع أخي الذي أصبح هو معيلي الوحيد بعدما استقرّ حالنا في منزلٍ مهجور لأحد أقاربنا لم يمانع مكوثنا فيه، يقع المنزل بجوار منزل أهلي”.
تطالب خلود الجهات المختصة، بتوثيق بيانات الأطفال المفقودين بسبب حرب الإبادة، تعقّب: “خلال بحثي لم أجد جهة مسؤولة خاصة بالأطفال المفقودين، مع أن عددهم كبير جدًا، جندت صديقاتي وبعض معارفنا لمساعدتي في البحث، خاصة مع صعوبة المواصلات والتنقّل”.
تمرر خلود أصابعها مجددًا على صورة طفلتها لولا، تسقط دمعة من عينها وهي تتساءل: ” تُرى كيف حالها الآن”.