الوقت يمضي ومازال إسلام مفقودًا

الوقت يمضي ومازال إسلام مفقودًا

رفح – دعاء برهوم:

منذ دخول الهدنة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ يوم 19 يناير 2025م، بدأت رائدة حمد (48 عامًا) رحلة البحث عن ابنها بين ركام مدينة رفح جنوب قطاع غزة، علّها تعثر على جثمانه بين الشهداء، أو دليلٌ يثبت استشهاده.

تقول رائدة وهي أمٌ لستة أبناء: “بعد نزوحنا إلى مواصي خانيونس، ذهب ابني إسلام لجلب بعض الأمتعة التي تركوها في المنزل، خوفًا من ضياعها أو السرقة، لكنه ذهب ولم يعد”.

تتأمل السيدة صورة ابنها البكر إسلام (30 عامًا)، وتمسح دموعًا سقطت من عينيها وهي تقول: “يوم 28 يوليو 2024م، ذهب ابني إلى منزلهم في الحي السعودي بمنطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، دون أن يخبرني، بعدما سمع بانسحاب جيش الاحتلال من المكان، وبعد ساعاتٍ من الانتظار اتصلت به مرارًا دون مجيب، لم أتوقّع أن يصبح مصير ابني مجهولًا، ولا أتمكن من الحصول على معلومة عنه”.

كان ابنها البكر إسلام هو سند العائلة بعدما انفصلت عن والدهم منذ 10 سنوات، فهو يعمل ليوفر للعائلة حياة كريمة، دون الحاجة لأحد، “مطيع وبارٌ جدًا، افتقده كثيرًا”، تقول أم إسلام.

بحثت السيدة كثيرًا عن ابنها بين ركام منزلهم المدمّر ولم تجد له أثرًا، سمعت الكثير من الروايات من شبّان تواجدوا بالمنطقة، ولكن لا أحد أتاها بالخبر اليقين.

تضع يدها على خدِّها وهي تكمل: “مشاعري مختلطة بين ألمٍ وقلق، كلما سمعت عن انتشال جثامين في رفح أذهب إلى ثلاجات الموتى في مستشفى ناصر، للنظر في وجوه الشهداء، ثم أعود إلى الخيمة يتجدد فيّ الأمل أنه وقع أسيرًا لدى الاحتلال وأنه سيعود إلى حضني”.

عندما بدأت صفقة التبادل بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال، وبدء الإفراج عن أسرى فلسطينيين، أصبحت أم إسلام تدقق أسماء المفرج عنهم، عله يكون من بينهم، وتذهب بانتظارهم في المستشفى الأوروبي، لتسأل كل أسير إن كان سمع اسم ابنها، مثلما حدث مع ابن شقيقتها الذي اكتشفوا أنه أسير لدى الاحتلال في سجن “ساديه تيمان”.

تواصلت أم إسلام مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، لكن لا معلومات عن إسلام، فالاحتلال يرفض الكشف عن مصير المفقودين.

رائدة التي احتضنت أبنائها منذ سنوات، عاهدت نفسها أن تُحسن تربيتهم وتكون لهم الأم والأب، عملت في مؤسسة نسوية، إلى جانب عمل ابنها إسلام لتساعده على تحمل أعباء الحياة.

 

تقول: “منذ بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حرصت على البقاء جميعنا في غرفة واحدة، خشية أن يتعرض أحدنا دون الآخر لأذى، حتى قُصف مسجد الهُدى المجاور لبيت أهلي في منطقة يبنا جنوب رفح، ودُمر المنزل وأصبح غير صالح للسكن، ذهبنا إلى مدارس الإيواء التابعة لأونروا.

بتنهيدة تشرح معاناتها داخل الصف الذي يأوي 68 فردًا من عائلات مختلفة، واصطفافها على طابور الحمام دون مراعاة النظافة، وعدم توفر المياه والخصوصية أصبحت معدومة، والأكل الملوث من دخان النيران الملتهبة في أفران الطينة وغيرها.

لم تدرك رائدة أن الحرب ستفرقها عن أبنائها يومًا، فكانت هي وابنتها ولاء مع النسوة داخل الصف، وأبنائها الشباب داخل خيمة خارج أسوار المدرسة، حتى اجتياح مدينة رفح في 7مايو 2024م، وبدء سكان المدينة بالنزوح قسرًا إلى أماكن أخرى.

تُكمل: “عندما نزحنا إلى المواصي دخل أبنائي حالة اكتئاب من عيشة الخيام التي ضاعفت معاناتي، في ظل شُح الإمكانيات، وتقسيم الأدوار عليهم لتعبئة المياه، والاصطفاف على التكية للحصول على الطعام، إضافة للبحث عن مكان لشحن الجوال.

وقدّر مكتب الإعلام الحكومي بغزة عدد المفقودين بـ (14.222)، باحتساب المفقودين تحت الأنقاض، ويكفل القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان حق العائلات بمعرفة مصير أقاربهم المفقودين، وتحظر المادة (98) من القانون الدولي الإنسان الإخفاء القسري في النزاعات المسلحة.

وتنص اتفاقية جنيف الرابعة على ضرورة اتخاذ أطراف النزاعات المسلحة كافة التدابير الممكنة لتوضيح مصير المفقودين، وتسجيل معلوماتهم، كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992، أنه، “لا يجوز لأي دولة أن تمارس أعمال الاختفاء القسري أو أن تسمح بها أو تتغاضى عنها”.

ثمانية أشهر على فقدان إسلام، ومازلتُ أترقب أي خبر يثلج صدري، لا أريد شيء من أحد سوى معرفة مصير ابني، فإخوته علاء وجهاد وأحمد في كل لحظة يفتقدونه، على سفرة الطعام كان يجلس بجواره أحمد الأخ الأصغر والآن يبكي عليه، وعلاء الأخ الأكبر يبحث دائمًا عن طرف خيط يصل إلى أخيه، حتى دخل مرحلة الهوس وهو يبحث عن شقيقه.

حبست رائدة أنفاسها وأطلقت العنان لدمعة داهمت عيناها مجددًا وهي تختم: “راضية أن يكون أسيرًا لدى الاحتلال المهم أن يعود لحضني”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى