أفنان نصر الله عن اعتقالها … “شفت جهنم”
أفنان نصر الله عن اعتقالها … “شفت جهنم”
رفح- وصال ضهير :
في زاويةِ إحدى مدارس مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتي تحوّلت إلى مركز إيواء، تجلس الأسيرة المحررة أفنان نصر الله (30 عامًا)، تروي فصولًا من الألم الذي تعرضت له حين اعتقلها جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء نزوحها إلى جنوب قطاع غزة!
تبدو أفنان وهي تنظر حولها خائفة من كل شيء حولها، أصوات الانفجارات، تحليق الطيران الحربي، أزيز الرصاص الذي يخترق سمت المكان، “ما عشته من بداية الحرب مرعب جدًا”، تقول بينما تحتضن طفلها.
أفنان، هي شابة ثلاثينية، أمٌ لسبعة أطفال، كانت تعيش مع زوجها في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حياة بسيطة وهادئة، حتى اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023م، وحين ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات لإجبار الناس على النزوح القسري من منازلهم إلى جنوب قطاع غزة، فضّلت البقاء في بيتها.
تقول: “بقيت هناك مدة 40 يومًا مع زوجي وأطفالي، حتى حدث الاجتياح البري وبدأ إطلاق قذائف المدفعية، عندها أُجبرت على النزوح”، كان ذلك يوم 21 نوفمبر 2023م، توجهت مع عائلتها إلى ما سماه الاحتلال “الممر الآمن”، على طريق صلاح الدين شرق قطاع غزة، ووصلوا إلى الحلابة (الحاجز العسكري الذي أقامه الاحتلال على مدخل مدينة غزة الجنوبي)، وانتظرت دورها في العبور.
“انتي يلي لابسة كحلي”، هكذا صرخ الجندي عبر مكبر الصوت، تقول أفنان: “ناداني الجنود بلون ملابسي، سألتهم: أنا؟ قالوا “نعم”، اطلعي، وعند وصولي سردت رقم هويتي وطلبوا مني التوجّه للجهة المقابلة لزوجي وأولادي، ونادوا عبر مكبر الصوت “أفنان نصر الله عالعَلم الأخضر، بدك تروحي للتحقيق”.
لم تدرك أفنان أي شيء حولها، سوى أنها كانت خائفة، ترتعش رعبًا، لكنها ظنّت أنه سيتم التحقيق معها ومن ثم إطلاق سراحها، لكن ما حدث غير ذلك!
“رعشةُ رعب أصابتني، كبّلوني وعصبوا عيناي، واقتادوني إلى مكان لا أعرفه”، تقول أفنان بصوتٍ مختنق، “ظننت أني الوحيدة، حتى رفعوا العصبة عن عينيّ فرأيت مجموعة من 10 نساء مكبلات، خائفات مثلي، ثم حضرت مجندة وأمرتنا بخلع ملابسنا، شلحت كل أواعيا وضليت بالملابس الداخلية بس”، تقول أفنان وهي تضم ياقة جلبابها وتجهش بالبكاء.
بعد انتهاء التفتيش عادوا أعادوا تكبيل أفنان وباقي الأسيرات، وعصبوا أعينهن، “شفت جهنم بعدها، صاروا يخبطوا فينا بالبساطير (الحذاء العسكري) والبواريد (البنادق) ويضربونا على رؤوسنا لو حاولنا التحرّك”، تقول أفنان وملامح الفزع تندفع من عينيها.
“هددني المحقق بقتل أطفالي السبعة وزوجي الموجودين على الحلابة، لإجباري على الاعتراف بتهمٍ لا أعرف عنها شيئًا، كنت أعرف إنه يريد ترهيبي لأعترف بما يقوله، فأنا تركت ثلاثة من أطفالي في الشمال عند والدتي”، تكمل أفنان بينما تمسح عرقًا تصبب على وجهها.
تزيد: “فجأة شعرت بالقوة لأقول له افعل ما تشاء، أنا لا أعرف شيئًا، أنا مجرد امرأة بسيطة أهتم برعاية أطفالي وزوجي فقط”.
تتسارع أنفاس أفنان، وهي تروي كيف مرت بأكثر من مرحلة تحقيق ولساعات متواصلة، آخرها حسب ما عرفت كانت بالقدس، وبعج انتهاء التحقيق نقلوها مع مجموعة من النساء والرجال إلى مكانٍ يشبه حديقة الحيوان، كانوا مكبلي اليدين، مكثوا هناك 10 أيام في العراء والبرد القارس.
أخفضت رأسها ومعه صوته وهي تتابع بحرج: “حين جاءتني الدورة الشهرية وأنا في هذا المعتقل، كان الجنود يقومون بإذلالي والسخرية من (كانوا يتمسخروا علينا)، ولم يعطوني الفوط الصحية إلا بالتقسيط والإهانة”.
عمد الجنود إلى إلباس النساء الزي العسكري للجنود (قميص وبنطلون)، ونزعوا حجابهن عنوة، واستهانوا بهن وسخروا منهن وهم يردوون بلغة عربية متقطعة (لولا لوو حجاب)ـ وتم نقلهن عبر ناقلة جند كبيرة إلى سجن الدامون في مدينة حيفا المحتلة.
“نقلونا كالدواب، قاموا بإمساكنا من شعورنا وجرّنا كما تُجر الدابة حرفيًا”، قالت جملتها وهي تتحسس رأسها ورقبتها والدموع تغرق عيناها، “حتى الآن أعاني من آلامٍ في الرأس والرقبة”.
ويخالف ما تعرضت له أفنان اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (27) التي ضمنت للمحميين حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهن العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، ومعاملتهم معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكلٍ خاص ضد جميع أعمال العنف والتهديد، كما كفلت للنساء حق احترام شرفهن ضد أي اعتداء.
تمسح أفنان دموعها وتكمل: “قضيت 50 يومًا داخل الأسر، وفي أحد الأيام جاء الجنود ونادوا: (أفنان… شحرور – أي إفراج)، وتم إطلاق سراحها قرب معبر رفح، وهناك تواصلت مع عائلتها ولجأت لمركز الإيواء الذي أقامت فيه.
تختم: “لا شيء أصعب من هذه التجربة، لن تمحى من ذاكرتي أبدًا”