رجا النادي تصارع الحياة بساق واحدة
غزة- خديجة مطر:
تمرر السيدة رجا النادي (43 عامًا) يدها على ساقها المبتورة، تستذكر كابوسًا قضى في لحظة واحدة على حياة اثنتين من بناتها، وتركها فريسة لوجع الفقد والإعاقة.
تسترجع السيدة تلك الساعات العصيبة التي قضتها تحت ركام منزل أقاربها الذي تعرض لقصفٍ إسرائيلي أواخر نوفمبر 2023م، وانقلبت حياتها بعدها، “التاسعة والنصف من صباح يوم 18 نوفمبر 2023م، كانت تلك اللحظة فاصلة تمامًا في حياتي، بعدها لم تعد كما كانت”، تقول رجا وهي تتنهد بمرارة ثم تنخرط بالبكاء.
في التفاصيل، السيدة كانت تعيش حياة هادئة مستقرة برفقة أبنائها الستة في حي الزيتون شرق مدينة غزة، حتى اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، والتي أجبر جيش الاحتلال خلالها الناس على النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه لكنها أصرت على البقاء في منزل أقاربها في حي الزيتون، وفي 18 نوفمبر من العام ذاته، حدث ما غيّر حياتها تمامًا.
تقول رجا التي تنزح حاليًا في منزل أحد أقاربها: “كنت برفقة أبنائي (يارا-حلا-طلال-أيمن-نغم وسعاد)، نتناول طعام الإفطار، آخر وجبة جمعتنا سويًا، فجأة ضرب صاروخ الطابق الثالث ووصل الطابق الأول حيث أتواجد أنا وأبنائي في بناية تعود لحماتي”.
دوى الانفجار ووجدت رجا جسدها محاصرًا بالكتل الخرسانية، شعرت بنزيف شديد، لكنها غابت عن الوعي، وفي اليوم التالي وجدت نفسها ملقاة على الأرض في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، تتلقى العلاج وببقدمٍ واحدة، ووجع ونزيف لا يتوقف، وعائلة تجهل مصيرها.
تنهمر الدموع من عيني رجا وهي تواصل: “استشهدت نغم (20 عامًا) وسعاد (12 عامًا) دون دواع، لم أطبع قبلة وداع على جبينهن”، تتنهد بعمقٍ وبحرقةٍ وعصبية تتساءل: “نحن كأشخاص مدنيين لا علاقة لنا بأي عمل حربي، لماذا يتم استهدافنا؟”.
اضطر الأطباء لبتر ساق رجا، فلا طواقم طبية متخصصة تنقذها، ولا إمكانيات داخل المستشفى لاستيعاب أعداد المصابين والشهداء الذين يصلوا تباعًا، ولأمر الأكثر قسوة أنه كان عليها مغادرة المستشفى في اليوم التالي لعملية البتر!
توضح: “أخبرني الطبيب أن عليّ المغادرة، فلا إمكانيات طبية لتقديم العلاج أو الرعاية الطبية، ولا يعلم إن كانوا هم أنفسهم سينجو من المحرقة أم لا، وفي اليوم التالي بالفعل اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفى”.
فقدت رجا ساقها اليسرى، وتبقّى منها شبرًا واحدًا، بعد مغادرة المستشفى بدأت معاناة السيدة في البحث عن دواء وطبيب يداوي الإصابة، فجميعها تكاليف تحملتها على نفقتها الخاصة بسبب شحّ الإمكانات الطبية للمستشفيات في قطاع غزة.
تصمت قليلًا ثم تشرح: “عانيت من أجل تأمين الأدوية والمضادات الحيوية، ووفرتها على نفقتي الشخصية، تكلفتها المرتفعة وندرة وجودها كانت ألمًا يضاف إلى ألمي”.
حاولت رجا تأمين بعض المواد التموينية التي تساعدها على التعافي، كي لا تفقد حياتها جوعًا، واضطرت لنقلها معها في كل مرة تنزح فيها من مكان إقامتها، ما تسبب في تحمّلها هي وأبنائها أعباءً مالية هائلة، وتقول: “نحن في صراع مع البقاء منذ بدء الحرب، ولا أعلم إن كنا سننجو أم لا”.
وتكمل: “النزوح ليس انتقال من مكانٍ لآخر، هو اقتلاع من الجذور، نعيش بلا سقف يحمي من نجا من أبنائي، بلا دواء يشفيني، وبلا أفق في الحياة”.
وتضيف رجا: “كان أبنائي يخرجوا يوميًا بحثًا عن مسكنات وشاش طبي، وطبيب يضمد جراحي في مكان تواجدي، رحلة يومية كالمعجزة، فلا تتوفر وسائل نقل، وإن توفرت فإن المخاطرة كبيرة عليهم وعلى صحتي”.
تعيش رجا حاليًا نازحة للمرة الخامسة عشر، في منزل أحد الأقارب، لم يعد لديها منزل ولا معيل، وبحاجة لطرفٍ صناعي، فقدت قدرتها عل الحركة والعمل، وكذلك هي غير قادرة على توفير احتياجاتها الشخصية كما اعتادت قبل الحرب، وحُرمت من حقها في السفر لاستكمال العلاج وتركيب طرف صناعي.
بصوتٍ متقطع تشرح: “أتابع علاجي منذ عام في قسم الأطراف الصناعية التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر، وأحصل من خلاله على العلاج الطبيعي والتدليك لتسهيل تركيب طرف صناعي مصنّع محليًا، فرغم صعوبة توفير مواد خام في قطاع غزة، تم إعداد طرف صناعي محلي، مؤخرًا بدأت بالتدريب عليه ليكون حلًا مؤقتًا لحين السماح بالسفر للعلاج خارج قطاع غزة، لتركيب طرف يتناسب مع حالتي الطبية بعد إجراء العملية اللازمة”.
تقدمت رجا بطلب للعلاج خارج قطاع غزة، وما زالت على قوائم الانتظار الطويلة، تبحث عن فرصة لتركيب طرف صناعي يساعدها في إكمال حياتها، والنجاة بمن تبقّى من أبنائها.
ويخالف ما تعرضت له عائلة رجا النادي اتفاقية جنيف الرابعة التي حظرت في مادتها (3) الاعتداء على المدنيين بالقتل والتشويه والتعذيب، كما طالبت بمرور الإرسالات الإنسانية إلى السكان، وتحظر الاعتداء على الممتلكات المدنية.
تختم رجا: “كل ما أريده أن أُعامل كإنسانة لها حق في العلاج والكرامة، لا كرقم جديد في قوائم الحرب والدمار، وأن أتلقى العلاج”.