وئام ذات الإعاقة… ذاقت العذاب ألوانًا

وئام ذات الإعاقة… ذاقت العذاب ألوانًا

خانيونس- وصال ضهير:

تجلس الشابة وئام أبو جلالة (35 عامًا) إلى جانب رضيعيها التوأم داخل خيمةٍ مهترئة، تكسو وجهها ملامح همومٍ أثقلت قلبها، ووقفت إعاقتها السمعية حاجز عثرة في الكثير من المواقف.

ورغم انشغالها بالهموم اليومية لحياتها القاسية داخل مخيم النزوح في منطقة مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، ومتابعتها للحالة الصحية السيئة للرضيعين، لكن حزنها على طفلتها الشهيدة فرح، يجعلها تعيش نوبات بكاءٍ مستمرة.

بأنفاسٍ غير منتظمة، وبصعوبةٍ تتحدث وئام عن حالها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م، والتي أجبر خلالها الاحتلال سكّان شمال قطاع غزة على النزوح إلى وسطه وجنوبه، لكن وئام التي كانت تعيش في مدينة جباليا شمال قطاع غزة، رفضت النزوح.

تتنهد بحزنٍ وتروي: “نزحت من بيتي إلى مدرسة الفاخورة في جباليا، ويوم 5 نوفمبر 2023م، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي المدرسة بالصواريخ، استشهد نحو 100 شخص من بينهم طفلتي فرح (8 سنوات)، وأصيبت طفلاي يحيى (10 سنوات) وفتحي (4 سنوات) وزوجي”.

أُجبرت وئام بعد هذه الحادثة على النزوح من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، مرّت على حواجز الاحتلال الإسرائيلي العسكرية، وعاشت أوقاتٌ من الرعب، خاصة كونها تعاني من إعاقة سمعية، جعلتها غير قادرة على فهم الأوامر التي يلقيها جنود الاحتلال.

“مشينا كالأصنام على الجثث، الدم، الصرف الصحي، والزجاج”، يرتعش صوت وئام وهي تروي ما شاهدته أثناء مرورها، فلم تملك حق البكاء أو الخوف، كل ما فهمته أن عليها الهرولة، ورفع هويتها كي يراها الجندي على الحاجز، وكي تمرّ بسلامٍ دون أن تتعرض للقنص أو الاعتقال.

تتلفّت يمينًا ويسارًا بعيونٍ خائفة، وكأن الحدث يُعاد أمامها وهي تتابع: “ممنوع نتلفّت، ممنوع نحرّك روسنا، ممنوع نطّلع تحت رجلينا واحنا ماشيين”.

تتنهد بصوتٍ مسموع وتواصل: “كان من الصعب عليّ تنفيذ كل تلك الممنوعات، كيف أخبر أطفالي بذلك؟ كيف أجبر طفلي ألا يبكي وهو خائف من هول المشهد؟ كيف لطفلٍ صغيرٍ من المفترض أن يكون في المدرسة يلعب الكرة مع أصدقائه فهم وتنفيذ قائمة الممنوعات؟

ويخالف ما تعرّضت له عائلة وئام اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، وخاصة المادتين (24) و (50)، واللتان نصتا على أن يحظى الأطفال باحترام خاص، وأن تُمنح لهم الحماية من أي شكل من أشكال الاعتداء الفاحش.

تقول: “وصلت إلى مدينة رفح ولكن لم أجد الراحة ولا الأمان، القصف مستمر بشكلٍ جنوني، نقص المواد الغذائية يتزايد والمجاعة تضرب أمعاءنا الخاوية، أطفالي وزوجي مصابون بشظايا لم تخرج من أجسادهم، رغم ذلك حاولت الاستقرار، لكن عند اجتياح رفح في مايو 2024م، نزحت إلى مواصي خانيونس”.

داخل خيمةٍ مهترئة، تعيش وئام حاليًا في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، وعلى وقع أصوات قصف المربعات السكنية في رفح، يعيش أطفالها الرعب المستمر.

تستدرك وئام: “في المواصي شعرت بأعراض الحمل، توجّهت إلى عيادة أطباء بلا حدود في المنطقة، وتأكد الحمل، واصلت المتابعة هناك، أخبروني أنني حاملٌ بتوأم من الفتيات، كدت أطير من الفرحة، بدأت بتجهيز ملابس للفتيات، فرحت وفرح الجيران معي وبدأوا بالتجهيز معي”.

في نوفمبر 2024م، كانت الولادة القيصرية لوئام في مستشفى ناصر الحكومي بمدينة خانيونس، تقول: “كان التخدير نصفي، كنت صاحية وقت الولادة وتفاجأت بالدكتور بحكيلي مبروك توأم أولاد، بكيت، ليس اعتراضًا ولكن تمنيت أن أُرزق بفتاةٍ تعوضني عن طفلتي الشهيدة فرح”.

بعد الولادة، أصبحت معاناة وئام أشدّ، فهي تبحث عن فرصةٍ علاجٍ لطفليها المصابين خارج قطاع غزة، لنزع الشظايا من أجسادهم، وأصبحت خائفة على حياة رضيعيها المصابين بسوء تغذيةٍ حاد.

تعقّب: “خائفة من فقدانهم، ومن عدم قدرتي على حمايتهم وتوفير الأمان لهم، ولا الغذاء المناسب، ما زلت أطرق أبواب المؤسسات والعيادات بحثًا عن حليبٍ مجاني لإرضاعهم، كي أستطيع المحافظة على صحتهم قدر المستطاع”.

إضافة إلى اهتمامها بالطفلين، كانت وئام تدور في دوامة لا تنتهي بحثًا عن سمّاعة طبية، تساعدها على السمع بشكلٍ جيد، وممارسة حياتها اليومية بسهولة، ولكن نظرًا لتدمير أجهزة إعادة برمجة السماعات وفحصها في المؤسسات المتخصصة بفعل القصف الإسرائيلي تعثرت.

تقول: “ساعدتني أختي بإيجاد سمّاعة بديلة عبارة عن خرطوم المحاليل الطبية، قصّت جزءًا منه وأدخلته في سماعة الأذن الخاصة بي، وهذا ساعدني على السمع بشكلٍ أفضل”.

ويخالف ما تعرّضت له وئام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خاصة المادة (11) التي طالبت الأطراف باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية.

لكن وئام ما زالت تشعر بخيبة الأمل لمعيشتها في خيمة لا تقي حر صيف ولا برد شتاء، تعرّضت خلالها للمعاناة بسبب الحشرات والأوبئة، ورغم محاولتها اتخاذ الكثير من الإجراءات، لكن لم تقضِ عليها بشكلٍ نهائي.

تختم: “أتمنى أن تنتهي الحرب، أتمنى أن ينسى أطفالي ما عاشوه خلالها، أتمنى العودة للشمال بعد انتهائها، “بكفينا نزوح وتعب والله بكفي”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى