الأمراض المزمنة … جبهة حرب ثانية
الأمراض المزمنة … جبهة حرب ثانية
غزة- أنسام القطّاع:
لم تتوقع الطفلة فرح غزال (10 سنوات) أن معاناتها مع مرض السكري ستتفاقم، وتتحمل أوجاعًا تفوق ألمها المعتاد من المرض، في وقتٍ تعاني فيه أصلًا ويلات الحرب.
اكتشفت عائلة الطفلة فرح، إصابتها بمرض السكري قبل أربع سنوات، حين غابت عن الوعي عدّة ساعات، وبعد إجراء الفحوصات الطبية، تبين إصابتها بالسكري، وباتت بحاجة إلى علاجٍ منتظم ونظام غذائي خاص، حاولت التعايش مع مرضها لكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، غيّرت كل شيء بفعل انقطاع أدوية الأمراض المزمنة أو شحّها.
تقول فرح: “كنت أتناول الدواء بشكلٍ منتظم قبل الحرب، ولكن حاليًا والدي يوفر إبر الأنسولين بصعوبة، عندما يذهب إلى الصيدلية لشراء الدواء يكون الجواب أنه مقطوع، وحين تذهب أمي إلى النقطة الطبية لا تجد الدواء”.
وتؤكد الطفلة أن هذه الأدوية ضرورية لها، تتعرض دونها لنوبات إغماء، تقول: “أنا أعيش على الإبر، لازم آخدهم، شو ذنبي أنحرم منهم، حياتي في خطر، بخاف تتدهور صحتي أكتر”.
تعاني فرح من الشعور بالدوار المستمر والهُزال، بصعوبة تمارس حياتها الطبيعية، فهي لم تلتزم بأي نظام غذائي أو علاجي منذ اندلاع الحرب.
خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عانى مصابو ومصابات الأمراض المزمنة من انقطاع الأدوية الخاصة بهم أو نقصها، نتيجة منع الاحتلال إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة، بل وتدميره المستشفيات التي كان يُعالج من خلالها هؤلاء المرضى، ما انعكس سلبًا على وضعهم الصحي، تمامًا مثلما حدث مع الطفلة فرح.
الخمسينية نبيلة القطّاع، أيضًا تعاني من مرضٍ مزمن، فهي مصابةٌ بضعفٍ في عضلة القلب، وقبل الحرب بشهرين خضعت لعملية قسطرة بالقلب، وكانت بحاجة إلى مراجعة طبية مستمرة ونظام علاجي محدد، لكن جاءت الحرب ولم تُتح لها الفرصة لتلقي أي رعاية طبية، خاصة أن العلاج الذي وصفه طبيبها غير متوفر في قطاع غزة، ومقطوع من كافة الصيدليات.
حين أجبر جيش الاحتلال سكّان شمال قطاع غزة على النزوح، لم تكن القطّاع ضمن النازحين، بل أصرت على البقاء بمدينة غزة، تقول: “عانيت ويلات المجاعة وانقطاع الأدوية، حتى الأطباء نزح معظمهم إلى الجنوب، وهذا أثّر على وضعي الصحي”.
أما الثلاثيني سامر سكيك، فهو يعاني ارتفاع ضغط الدم منذ عدّة سنوات، يقول إنه بصعوبة يستطيع الحصول على الأدوية نظرًا لشحِّها وانقطاعها في بعض الأحيان، مما تسبب في تدهور وضعه الصحي.
يكمل: “الأدوية التي توفرها الجهات الحكومية وعيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) لا تتناسب مع طبيعة جسدي، وتكلفة الدواء إن توفّر أصبحت أضعاف سعره الطبيعي قبل الحرب”.
ونظرًا لوضعه المادي المتردي، وكونه عاطلًا عن العمل، ولا يوجد أي مصدر دخل له، لا يستطيع الحصول على الدواء بانتظام، أو بشكل يومي حسب وصفة الطبيب، يقول:” في أيام ما باخد فيها الدواء حتى يضل عندي الشريط لأطول فترة ممكنة، وهذا سبب لي أعراض جانبية مثل الصداع وضيق التنفس والخدلان في اليدين”.
وزارة الصحة بدورها، أعلنت مرارًا انقطاع الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة في قطاع غزة، أو شحّ المتوفر منها، وحذّرت من تدهور الأوضاع الصحية نتيجة استهداف الاحتلال للمستشفيات، ومنعه إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية إلى قطاع غزة.
يقول د.علاء حلس، مدير عام الصيادلة في وزارة الصحة أن قطاع غزة يعاني من نقصٍ حاد في الأدوية، فأكثر من 37% منها غير متوفرة، و59% من قائمة المستهلكات الطبية أيضًا غير متوفرة، وهذه القوائم تخدم شريحة كبيرة من المرضى، كما أن 54% من أدوية مرضى السرطان مفقودة، و 51% من الأدوية الخاصة بالأم والطفل مفقودة.
يتابع أن أكثر من 24% من التطعيمات غير متوفرة وأكثر من 40% من أدوية الرعاية الصحية الأولية غير متوفرة، وأكثر من 25% من أدوية مرضى الكلى غير متوفرة، وأكثر من 24% من خدمة الصحة النفسية غير متوفرة، وأكثر من 23% من الجراحة والعمليات واحتياجات العناية الفائقة غير متوفرة، وكل هذه القائمة سببت مشاكل كثيرة لد ى المرضى وفاقمت من معاناتهم.
ويخالف ما يتعرض له مرضى الأمراض المزمنة في قطاع غزة، اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (18) على أنه لا يجوز الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، كما نصت المادة (23) على كفالة حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية، وحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل والنفاس.
وتحدث حلس عن معاناة المستشفيات من عدم القدرة على إعادة رصيد الأدوية، وحتى القطاع الخاص لا يعمل بسبب عدم توفر العلاجات الموجودة، وبالتالي المشكلة معقدة وكبيرة، وستتفاقم إذا لم يتم فتح المعابر حتى يتم إدخال النواقص.
ويختم: “حين نتحدث عن نقصٍ في الأدوية، فنحن نتحدث عن استهلاكٍ دائم، ومن المرجح أن النسب التي نتحدث عنها تتغير خلال أيامٍ أو ساعات نتيجة الاستهلاك الكبير، فالمرضى ما زالوا يعانوا، والمصابون في المستشفيات، والضربات مستمرة لذلك حجم الاستهلاك كبير”.