السرطان يداهم امرأة حاملا في خيمة
خانيونس- دعاء برهوم:
“أعيش حالةً من الخوف الدائم بعدما شخّص الأطباء حالتي بمرض سرطان الغدد اللمفاوية، في ظلِ حربٍ طاحنة، ولا أعلم أنّي أحمل في أحشائي جنينًا، هدية من الله لتخفيف أوجاع الحرب”.
بهذه الكلمات بدأت الشابة أحلام أبو طعيمة (34 عامًا) تسرد معاناتها اليومية وهاجس الخوف الذي يرافقها كظلّها، بعدما أخبرها الأطباء أن حالتها الصحية تسوء كل دقيقة، وخشية إجهاض جنينها الذي حملت، رغم أنها تعاني من ارتفاع ضغط الدم ومرض السكر منذ عدة سنوات.
تعيش أحلام مع عائلتها في خيمةٍ قماشية في مخيم للنازحين بمنطقة المواصي غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، فقد نزحت عدة مرات من مكانٍ لآخر، آخرها يوم 19 مايو 2025م، بعدما أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكّان المناطق الشرقية لخانيونس على إخلائها وأعاد اقتحامها مجددًا، وهو الذي انسحب منها بموجب وقف إطلاق النار المؤقت في يناير 2025م، والذي انهار بعد شهرين.
تتنهد وهي تستذكر بيتها في بلدة عبسان شرق خانيونس: “قبل اندلاع الحرب يوم 7 أكتوبر 2023م بثلاثة أيام كنت قد أنهيت تجهيز بيتي من دهان وديكورات، وأخطط كيف سأختار الأثاث وغرفة نوم أطفالي، لكن جاءت الحرب وذهب كل شيء”.
تتابع: “عدت في الهدنة إلى منزلي الذي نزحت منه منذ 10 أكتوبر 2023م في بداية الحرب، وجدته تعرّض لأضرارٍ بسيطة، عشت فيه أربعة شهور هي الأجمل، رغم أننا تحت القصف لقربنا من السياج الفاصل مع الاحتلال، لكن تنفسنا هواء بلدتنا وارتحنا من الخيام التي أتعبت أجسادنا”.
لم تدم الراحة طويلًا، فقد نزحت أحلام وعائلتها مجددًا وتركت كل أمتعتها في البيت مع استئناف الحرب، وصدور أوامر الإخلاء الإسرائيلية، فاضطروا لتركه والسير ثلاثة أيام إلى غرب خانيونس حيث مكثوا في خيمةٍ لأحد الأقارب إلى أن حصلوا على خيمةٍ من أحد المتبرعين.
تمسح دموعًا انسابت على وجهها وتكمل: “في كل حرب يتعرض منزلي للقصف، عام 2014م دمرته طائرات الاحتلال، وعام 2020م بدأت بنائه وجاءت هذه الحرب وسحقت كل شيء”.
تستذكر أحلام حياتها قبل اندلاع الحرب يوم 7 أكتوبر 2023م، حين كانت تعمل إلى جوار زوجها محمد (40 عامًا) في أرضهم الزراعية الواقعة على السياج الفاصل شرق خانيونس، منذ بزوغ الفجر حتى الثامنة صباحًا، حيث تنهي عملها في حصد المزروعات وتصديرها للأسواق، وبعدها تقوم بصنع طلبيات الزبائن من المعجنات وورق العنب.
تتنهد وتعلّق: “قبل الحرب بيوم جهزت طلبية مفتول لأحد الزبائن، جاءت الحرب وأصبحنا لا نستطيع توفير لقمة لأطفالي الأربعة، وخاصة طفلي عدي (11 عامًا) المصاب بالسكري منذ صغره ويحتاج لغذاء صحي”.
تنظر أحلام بقلق إلى أوراق الفحوصات الطبية التي كشفت إصابتها بالسرطان، بعد نزوحها إلى المواصي، حيث أخبرها الأطباء أن صحتها تتدهور وعليها الإسراع في إجراء التحاليل الطبية الكاملة لاستكمال العلاج.
تعقّب: “كل شيء منعدم والأسعار باهظة لا أقوى عليها، في ظل ظروف معيشية صعبة، لكنها أسعى للحصول على تحويلة طبية إلى خارج قطاع غزة كي أتمكن من العلاج الذي أصبح منعدمًا في القطاع مع انهيار المنظومة الصحية بسبب الحرب”.
تمسح دموعها وهي تمسك بيدها دفتر المتابعة للسيدات الحوامل في عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، وتكمل: “بعد إصابتي بالسرطان واكتشافي الحمل في ظروف المجاعة انهارت صحتي تمامًا وأصبحت لا أقوى أحيانًا على مساعدة أطفالي، فأنا بحاجة لفيتامينات وأدوية لإتمام حملي الذي حذرني الأطباء من احتمال إجهاضه قبل البدء بعلاج السرطان”.
ويتنافى ما تتعرض له أحلام مع اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي جعلت الأطفال والنساء موضع حماية خاصين، كما نصت المادة (23) على واجب الأطراف في كفالة وصول الأدوية والأغذية الضرورية والملابس للنساء الحوامل والنفاس.
تصف أحلام حياتها في الخيمة بالذل وانعدام الراحة، فهي تعيش متنقلة بين المستشفيات لمتابعة وضعها الصحي، ورعاية زوجها الذي أصيب في قدمه خلال محاولته الحصول على الطعام من مركز توزيع المساعدات الأمريكية (مصائد الموت)، بعد أن نخر الجوع عظام أطفاله وزوجته.
أما الأم المريضة والحامل فقد بدأ جسدها ينهار من التعب وحرارة الشمس التي تضرب رأسها، خاصة مع وقوفها لساعات من أجل الحصول على طبق من الطعام من إحدى التكيات وتعبئة جالونات المياه لصغارها رغم وضعها الصحي الحرج.
تختم: “أخشى إجهاض جنيني الذي اعتبرته هدية من الله، كل ما أريده هو البدء في العلاج وحماية عائلتي”.