صاروخ ترك أثره على ساق صبحية للأبد

خانيونس – دعاء برهوم:

داخل خيمةٍ قماشية مهترئة، تزحف السيدة صبحية سويعد (59 عامًا) على مؤخرتها، بعد أن فقدت ساقها اليمنى للأبد نتيجة قصفٍ إسرائيلي، طال خيمةٍ مجاورة.

تنهمر الدموع من عيني السيدة التي تعيش مرارة النزوح في خيمةٍ منذ مايو 2024م، اذ لا تستطيع تحريك قدمها اليسرى أصلًا بسبب الألم الناتج عن خشونة المفصل الذي تعانيه منذ ثلاث سنوات، كانت تهتم بصحتها لكن حياتها تغيرت منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م.

تروي ما حدث معها: “يوم 28 إبريل 2025م، الساعة 11 مساءً، كنّا نائمين في الخيمة، استيقظنا على صوت انفجار ورائحة بارود ونار مشتعلة، لم أعرف ماذا حدث، صرخت بأعلى صوتي قصفوا الخيمة، نظرت إلى قدمي وجدتها مفصولة عن جسدي من فوق الركبة، شعرت حينها أن الزمن توقّف، وفقدت الوعي”.

تتحسس صبحية ساقها المبتورة وهي تشرح، أن طائرات الاحتلال الحربية الإسرائيلية، قصفت خيمة تجاور خيمتهم، بثلاث صواريخ، أدت لاستشهاد خمسة أشخاص وإصابة جميع أفراد عائلة صبحية.

تكمل: “زوجي حسين (65 عامًا) حاول إسعافي رغم إصابته لكنه لم يستطع، بعد أن أغارت طائرات الاحتلال على ذات المكان بصاروخٍ ثانٍ وحوّله إلى رماد”.

بعدما هدأت وتيرة القصف بساعة، نُقلت صبحية على عربة تجرها الدواب إلى المستشفى البريطاني غرب مدينة رفح، ثلاث ساعات قضتها داخل غرفة العمليات، ولدى خروجها لم تجد أحدًا من أبنائها فظّنت أنهم استشهدوا، ولكن أخبروها أنهم مصابين بحالات متفاوتة ولا يستطيعون الحضور.

عصفت الإصابة بالسيدة صبحية ولم تعد تقوى على الحركة، 35 يومًا وهي مقيدة في سرير المستشفى، انتقلت بعدها إلى الخيمة التي تفتقر لأدنى الظروف الصحية لمصابة بحاجة لرعاية، فوجدت نفسها مقيدة على سريرٍ خشبي وكرسي متحرك دون علاج.

تصمت قليلًا وهي تنظر إلى ساقها المبتور وتتنهد قائلة: “تحوّل كل شيء إلى ظلام بعد بتر ساقي، كنت أمشي لساعاتٍ يوميًا، أشعل النار وأطهو الطعام، وأشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، أما الآن لا أقوى على شيء”.

أكثر من أربع شهور مرّت على إصابة صبحية التي باتت بحاجة للمساعدة في أبسط أمور حياتها، توضح: “حتى عند قضاء حاجتي يساعدني أبنائي، يجهزوا لي داخل الخيمة بجوار سريري كرسي خاص لقضاء الحاجة، وتأتي شقيقتي مريم لتساعدني على الاستحمام وغسل ملابسي، أصبحت عاجزة عن كل شيء”.

مع شروق كل يوم، تبدأ صبحية معركة جديدة مع الحياة، يحملها ابنها الأوسط محمد ويجلسها على باب الخيمة لتتنفس الهواء وترتاح قليلًا من الرطوبة العالية داخل الخيمة، تصيبها الحكّة والنمنمة في ساقها المبتور، “لا أتحمّله، فاربطه بمشدّ لمواجهة الألم دون علاج ولا مسكّنات، حتى الطبيب أخصائي االعلاج الطبيعي الذي يأتي مرتين أسبوعيًا هو على نفقتنا الخاصة”، تقول.

بنظراتٍ منكسرة وصوت متقطّع يائس تكمل: “ربما لو بُترت ساقي اليسرى لكان أهون فهي تؤلمني، أما المبتورة فهي السليمة التي أعتمد عليها”.

ما زالت صبحية تحت تأثير الصدمة عندما فقدت ساقها، وكل ما يشغل تفكيرها، كيف كانت تمارس حياتها قبل الحرب، لم تستوعب ما حلّ بعائلتها، فزوجها أصيب في قدمه وقطعوا جزءًا منها، وابنها الأكبر رمزي (37 عامًا) أصيب في يدمه وما زال يواصل علاجه رغم خضوعه لأكثر من عملية جراحية، وابنها الأصغر شفيق (29 عامًا) أصيب في بطنه.

تشعر صبحية بالعجز، لولا مساعدة شقيقتها مريم والجيران، فإصابة أبنائها أقعدتهم في الخيمة دون الحصول على أي مساعدة أو عمل بعدما كانوا جميعًا مزارعين يعيشون على خيرات أرضهم التي كانت في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

تعيش صبحية حاليًا في منطقة تسمى الإقليمي جنوب غرب مدينة خانيونس منذ خمسة شهور، بعدما أجبرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي على النزوح قسرًا من بيتهم بمدينة رفح جنوب قطاع غزة في مايو 2024م، والتي دمرها وحوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة.

تسحب صبحية منشفة عن حبلٍ مجاور لسريرها تمسح عرق جبينها وهي تكمل: “تركنا كل شيء خلفنا و نزحنا من منطقة لأخرى هربًا من الموت، لكن كل هذا يهون أمام فقدان ساقي، (ما حسيت بالحرب إلا بعد إصابتي) معاناتي اليومية قبل الإصابة ليست كما بعدها”.

ويخالف ما تعرضت له صبحية اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تحظر الاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم وقت النزاع المسلح، وسمحت في مادتها (59) بإغاثة السكان المدنيين وتوفير ما يلزمهم من إمدادات طبية وملابس وغذاء.

تتعلق صبحية بحبال الأمل، بينما تغرق عيناها بالدموع وهي تختم: “أتمنى أن أتمكن من السفر لاستكمال العلاج وتركيب طرف صناعي يساعدني على المشي ومواصلة حياتي”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى