الوساطة القانونية تنهي معاناة امرأة معلّقة
الوساطة القانونية تنهي معاناة امرأة معلّقة
غزة – سهاد الربايعة
لم تكن قصة الشابة (أ.م) مجرّد تجربة زواج فاشلة، بل معركة مريرة دامت ثلاث سنوات، خاضت خلالها صراعًا قانونيًا ونفسيًا مؤلمًا للحصول على أبسط حقوقها: الطلاق. وبدأت معاناة (أ.م) بعد أن طلب زوجها الطلاق ثم تراجع، ليدخلها في مسلسل من الابتزاز والضغوط المالية مقابل الطلاق، ومحاولات لإبقائها “معلّقة” عقابًا لها على تمسكها بحقوقها.
تقول:” طلب مني دفع المال مقابل الطلاق رغم أنه هو من بدأ بالإجراء. استخدم بيت الطاعة وسيلة للتهديد، وتلاعب بالقانون عبر دعاوى خاسرة، رغم أنني لم أدخل فعليًا في الزواج”.
لم تنتهِ معاناتها عند هذا الحد، فعلى حد قولها صُدمت بأن محاميها لم يكن على قدر المسؤولية ، وفُوجئت بطلب القاضي من والدها دفع مبلغ من المال للزوج لإنهاء القضية، وصولًا لتهديد مباشر من والد طليقها. وزادت الأزمة حدة ومرارة حين رُفعت ضدها دعوى شقاق تتضمن اتهامات تمس كرامتها وشرفها، مما تسبب بانهيارها نفسيًا.
ورغم مطالبتها بتحقيق نزيه في التحكيم، لم يُنصفها المحكّمون، حيث خُصص ثلاث جلسات لطليفها مقابل جلسة واحدة لها، انتهت بقرار يلزمها بدفع مبلغ مالي، فرفضت النتائج ورفعت دعوى “تكميل المهر” للطعن فيها.
تقول الشابة إن “ما أنقذها كان دعم والدها القوي وإيمانه بحقها، وهو ما أعطاها القوة للاستمرار في النزاع، حتى جاءت الحرب لتعطل كل شيء، وتُشل معها منظومة القضاء في غزة “.
لكن الأمل عاد إليها حين تعرّفت إلى محامٍ وسيط عبر صديقتها، استطاع بعد وساطة شاقة إقناع طليقها بالطلاق مقابل التنازل عن النفقة. تقول:”طلبوا 2000 دينار والشبكة، وهددوني بالبقاء معلقة سنة إضافية، لكن المحامي أكد لهم أنني سأكسب في المحكمة أكثر، وبعد شد جذب وافقوا على الطلاق أخيرًا مقابل ابراء الطرفين لبعضيهما . شعرت أن معجزة حدثت.”
وتاثر هذه التجربة الصعبة تطالب الشابة (أ.م) الجهات المختصة بوضع حد لتعليق النساء، خاصة قبل الدخول، ومنع استخدام المال كوسيلة لابتزازهن مقابل الطلاق، معتبرة أن ذلك “ظلم يخالف شرع الله ويُبدّد أعمار الفتيات”.
الوساطة في زمن الحرب
يؤكد المحامي الوسيط/ محمود عفانة أن تمسك الفتاة بموقفها، وتوضيحه للطرف الآخر أن دعوى الشقاق كانت ستُكسبها أكثر مما يُطلب منها، ساعد في التوصل لحل وسط. ويقول :”الوساطة باتت ضرورة في ظل انهيار القضاء. هي وسيلة قانونية، تحافظ ولو على الحد الأدنى من الحقوق وتحد من العنف الأسري , وتوفر بيئة آمنة للحوار خاصة في القضايا الحساسة والأسرية .
ويضيف أن المال يُستخدم بشكل متكرر كأداة ضغط ضد النساء، مما يدفع الكثيرات للتنازل عن حقوقهن. وتعمل الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، التي ينتمي إليها عفانة، على تقديم الدعم القانوني للنساء من خلال جلسات وساطة وتوثيق اتفاقيات تضمن تنفيذها، خاصة في ظل غياب الرقابة القضائية.
تعليق النساء محرّم شرعًا
من جانبه، أوضح القاضي عمر نوفل، قاضي المحكمة العليا بخان يونس، أن القانون يسمح للنساء المتضررات باللجوء إلى القضاء عبر دعاوى التفريق بسبب الضرر أو الغياب أو عدم الإنفاق. لكنه حذّر من تفشي ظاهرة “تعليق النساء”، مؤكدًا أنها محرّمة شرعًا، بقوله تعالى: “ولا تذروها كالمعلّقة”.
وأشار نوفل إلى أن الحرب تعرقل البت في هذه القضايا، ودعا إلى اعتماد الوساطة كحل واقعي ناجح وفعال لاسيما في ظل الأوضاع الحالية، مؤكدًا أن:”الوساطة ليست بديلًا عن القضاء، لكنها خيار متاح لحفظ الحقوق ومنع التصعيد. متى غاب الضمير، ضاعت الحقوق. ومتى استيقظ، عادت.”