“مها”… بين جحيم العائلة ونار الزوجة الثانية

رفح/ بقلم: محمد الكحلوت

لم يكن لديها ما يكفي من طاقة لشرح تفاصيل ألمها، تكتفي بابتسامة مزيفة لكل من يسألها: “إنتِ ليش رضيتي تاخدي واحد متجوز؟”، أفكارها مشتّتة، لم تعد قادرة على مساعدتها من محاولة إخفاء معاناتها.

تدرك “مها” “38 عامًا” إنها قامت بِفعلٍ غالباً ما ينتقده النساء هو الزواج من رجل متزوج، حتمًا سيجعلها تبدو وكأنها مذنبة بحق نفسها، مهما حاولت شرح ما حلّ بها حتى أُجبرت على أن تكون زوجة ثانية، فهي لم تتمكن من الهرب من هذه النظرة لنفسها، لكن هذا ليس كل شيء، فلكل حكاية معاناة بداية ومسببات.

كانت “مها” (اسم مستعار) المكنّاة حاليًا “أم عماد”، تعيش مع أسرتها مدللةً منذ الصغر، فقد كانت أول فرحة لأبوين ميسوري الحال، ثم سرعان ما امتلأ البيت بالأخوات والإخوة والذين انتقل لهم جزءًا غير يسيرٍ من دلال واهتمام الوالدين.

مرّت السنوات وكبُر الإخوة واهتمام العائلة يزداد بالأبناء الأصغر سنًا وسط تجاهلٍ وعدم اكتراث باحتياجات ومشاعر البنت الكبرى، حتى وصلت مرحلة الثانوية العامة، عندما دقّ قلبها لطارقه فأحب تلميذًا في مثل عمرها، ظنّت أنه سيعوضها ما فقدته في المنزل من رعايةٍ واهتمام.

تقول “مها”: “أحببته لفترة وسرعان ما انتشر الخبر حتى وصل إلى الأسرة ولم أكن أعرف أن قصة الحب هذه تُعدُّ خطيئةً سأُعاقب عليها ما حييت، فسرعان ما قرر الأهل حرماني من إكمال الدراسة بحجة أنني “رح أوطّي راس العيلة.. شو بدك يحكوا علينا”، ثم حُرِمت من المصروف الشخصي وباتت المعاملة أكثر سوءًا”.

لم تكن تعلم إن حكاية الحب العابر البريء ستتحول إلى فضيحةٍ بنظرهم، فما الذنب الذي اقترفته لتتحول هذه الحكاية الطاهرة وحلم الفستان الأبيض إلى كابوسٍ ظلّ يلازمها لسنوات، “عُزلة اجتماعية وسوء معاملة”، تتساءل بألم.

تكمل: “مرّت السنوات ثقيلة، تزوجت أخواتي اللواتي يصغرنني بأعوام، بينما بقيت أُراوح مكاني في ذات الغرفة في بيت أبي، تفاقمت النظرات السلبية وأصبحت عبئًا عليهم، يريدون التخلّص منه بأي طريقة، عانيت التمييز بيني وبين إخوتي، لم أتعلّم ولم يشتروا لي ملابس الخروج مثلهم، لم أشارك في المناسبات كما يفعلون، لا أخرج من المنزل مع إهمال وتهميش وإهانة”.

كان أسوأ من واجهته تلك النظرة السلبية لها كونها لم تتزوج، ولسان حالهم يُردد: “شوفيلك أي حد تزوجيه وخلصينا”، كلمات طالما أبكتها وجعلتها تنتظر أي فرصة للهروب من هذه النار، حتى لو كانت نحو الجحيم.

تُضيف: “وصلت إلى مرحلة الموافقة على أي فرصة، أردت أن أختار الأفضل على الأقل، لم أفكر أبدًا في الزواج من رجلٍ لديه أسرة وحياة ولم أتوقع هذا، لأنه شعور قاسٍ على النساء، لكن ما تعرّضت له من ضغوطات يجعل الكثير من الأمور تتغير رغمًا عني، حتى لو كُنت غير راغبة”.

عندما دقّ بابها رجلٌ متزوج، كان عليها القبول بنصف حياة، رجلٌ يُقسّم وقته بينها وبين زوجته الأولى، هي تعلم أنه تزوجها من أجل الإنجاب، فزوجته الأولى لا تنجب وهو يريد أطفالًا، قَبِلت مرغمةً رغم رفضها المطلق للفكرة، لكنها هربت من نار المعاملة السيئة والنظرة السلبية والتهميش إلى جحيم معاملةٍ سيئةٍ أخرى وتهميشٍ جديد ونظرةٍ اجتماعيةٍ قاتلة، فهي الآن زوجة ثانية.

تكمل: “الخشية من لقب عانس، والرغبة في الهروب من أهلي كانا سببًا في موافقتي وحين تزوجت تعرضت لسوء معاملةٍ من جديد وتهميش مرة أخرى وتعنيف لفظي وإهاناتٍ بالجملة، أنا هنا من أجل الإنجاب فقط”.

وسط هذا الواقع القاسي أنجبت “مها” طفلها الأول والوحيد “عماد”، بات هو كل حياتها في ظل موجة التعنيف التي تتعرض لها من زوجها، فهو لا يتوقف عن إشعارها إنها هنا فقط من أجل الإنجاب، حتى إنه ينفق عليها بالقدر القليل جدًا، بالكاد ما يكفي الطعام والشراب، رغم أنه ميسور الحال ولديه قدرة على الإنفاق عليها وعلى طفلها.

تختم: “المعاملة السيئة أتلقاها من الجميع، من زوجي وزوجته ومن عائلته، جميعهم يتعاملون معي بإهاناتٍ وتجريحٍ وتهميش، وكأنني سرقته منهم، لا عدل ولا معاملة جيدة من المحيط الاجتماعي وألسنة الناس لا ترحم، رغم أن الزواج الثاني أمرٌ منتشر، هنا أدركت أن التعنيف مكتوب عليّ مدى الحياة”.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى