النساء المهمشات بين العوز والمساعدات الانسانية.. “سميرة” إحداهن
رفح/ بقلم: هديل فرحات
في أحد الأزقّة الضيّقة بمخيم رفح للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة تستطيع أن تصل إلى بيت السيدة “سميرة” “69عامًا” وهناك سترى كيف ينهش المرض جسد امرأة مسنة وتعاني من التهميش والفقر.
في بيت “سميرة” المسقوف بصفائح ” الزينكو” التي تحوله في فصل الصيف إلى ما يشبه المِقلاة تنقطع المياه منذ أربعة أيام، بينما تستعين السيدة الأرملة بطبق من البلاستيك للتخفيف من حرارة الصيف الحارقة في ظل انقطاع الكهرباء لأكثر من ثماني ساعات يوميًا في أحسن الأحوال، كما هو الحال منذ 17 عامًا في كافة مناطق قطاع غزة.
تقول “سميرة” لمركز الإعلام المجتمعي: “منذ وفاة زوجي قبل عدة سنوات، أعيش مع أختي المصابة بالسرطان وحدنا، أعاني من الضغط والسكر وأواجه صعوبة في توفير علاج لي ولها وكوننا وحيدات فلا أحد يهتم بأمرنا”.
يشكّل المسنون ما نسبته 5% من المجتمع الفلسطيني، غالبيتهم من النساء اللواتي يعانين سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث تشير إحصائية مسح العنف الأولية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2019، إلى أن 1.8% من المسنّات في قطاع غزة يعانين الإساءة الاقتصادية و21% يعانين الإهمال الصحي، ما يعني أن نسبة كبيرة من النساء بلا مصادر دخل، فيما يمكن أن نسميه بظاهرة “تأنيث الفقر”.
وتحكي السيدة المصابة بالضغط والسكر: “أختي معي منذ عدة سنوات وهي طريحة الفراش منذ إصابتها بالسرطان وفقط نحصل على القليل من المساعدات التي تصلنا لإنفاقها على علاجي وعلاجها، بعد وفاة زوجي لم أجد بيتًا يأويني سوى منزل أهلي القديم، وها أنا أسكن فيه، ليس لدي سوى ابنة واحدة وهي متزوجة”.
بصعوبة تتحرك السيدة “سميرة” داخل منزلها، تغلق الباب في محاولة لصدّ الرائحة الكريهة القادمة من أزقة المخيم الممتلئة بمياه الصرف الصحي نتيجة عدم تأهيل شبكات الصرف الصحي بشكل جيد في المخيمات الفلسطينية.
ترقرقت الدموع في عينيها ومسحتها بطرف ثوبها وهي تعقّب:” اعتدت أن أصرف علاج الضغط والسكر والغدة الدرقية من عيادة الوكالة القريبة منا، ظلّت حالتي مستقرة لسنوات، ولكن المرض تمكّن منّي ولم تعد الأدوية تجدي نفعًا، اللهم إلا من تمضية أيام، ربما بيوم أكون بخير ولكن في اليوم التالي لا أحد يدري”.
تصبب العرق من وجهها بسبب الحر، واستعانت بقطرات مما توفّر من المياه، وعقّبت: “أنتظر حتى يتم وصل المياه التي تغيب الأيام، فأملًا الخزان البلاستيكي بالخرطوم، فأنا لا أملك موتورًا لرفع المياه إلى الخزان العلوي، تكلفته تزيد عن 400 شيكل وظروفي لا تسمح بشرائه”.
لدى سؤالها عن مصادر دخلها تبسّمت بمرارة، وقالت: “أي دخل؟!، مساعدات بسيطة من هنا وهناك وألجأ لتوفير الخضار والفاكهة من الباعة الذين كانوا يعرفون زوجي، أصبحت مديونة لعدد غير قليل من الناس، أحاول التسديد كلما حصلت على مساعدة”.
لم يعد بوسع السيدة الخروج من الشارع، فقد بات الخجل يأكل وجهها لكثرة الدائنين وقلة السداد في ظل مطالبة بعضهم بالتسديد وبيتها أصبح خالٍ من أي كماليات، بل ومن الأساسيات حتى.
أما المساعدات التي تتلقاها على قلّتها فهي كما تصف: “قليلة ولا تكفي الأساسيات، لم أترك مؤسسة ولا جمعية محلية ولا أجنبية ولا نسوية، إلا وتوجهّت لها والكل يقول إنه لا يوجد لديهم دعم حاليًا ويوجهوني لغيرهم، وهكذا تمضي الأيام من جمعية إلى جمعية بلا نتيجة”.
تتواصل معاناة “سميرة” وشقيقتها كما غيرها آلاف النساء اللواتي وقعن ضحية الفقر والتهميش وغياب الدعم العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فلا النساء اللواتي هنّ في سن العمل قادرات على الحصول عليه في ظل ارتفاع نسب الأسر التي ترأسها نساء إلى 12% في فلسطين وغير القادرات على العمل مثل “سميرة” لا يتم توفير دخل كريم لهن وخدمات مجتمعية، حتى استشرت في قطاع غزة ظاهرة (تأنيث الفقر).
ويعاني قطاع غزة من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة الى أعلى مستوياتها بين السكان بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 15 عاماً وبسبب تهالك الاقتصاد.
وما زالت دولة فلسطين لم تقر قانون حماية كبار السن، حيث تعاني هذه الفئة بالمجتمع من الفقر والتهميش ودون وجود برامج خدماتية أو تأهيلية تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة البشرية.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.