بعد عشرين عامًا من الانتظار صابرين حبيبةُ أبيها ووحيدته .. يتيمة
بعد عشرين عامًا من الانتظار
صابرين حبيبةُ أبيها ووحيدته .. يتيمة
جباليا- هيا بشبش :
عشرون عامًا من الانتظار والسعي لعلاجِ مسببات تأخّر الإنجاب، وبعد فشل ثلاث عمليات زراعة، جاءت صابرين لتكون هدية السماء لوالدها الذي حلم أن تكبر بين يديه، بنى معها ومن أجلها أحلامًا عظيمة، لكن قذيفة إسرائيلية أنهت حياة الرجل وحرمته الفرحة بوحيدته.
هكذا لخصّت السيدة فاطمة أبو اللبن (47 عامًا)، قصة زوجها سمير (54 عامًا)، والذي استشهد برفقة شقيقه عصام، تاركًا زوجته ومعها زوجة شقيقه دون معيل، “صار اسمنا بيت الأرامل”، تقول أم صابرين، ثم تحتضن طفلتها الوحيدة (8 سنوات) وهي تبكي.
“ثلاث عمليات زراعة فشلت، فقدنا الأمل وتوقفت عن العلاج، عام 2016م فوجئت بحملي بصورةٍ طبيعية ودون أي علاج، كان الخبر مفرحًا ومدهشًا، بعد كل هذا الصبر والمعاناة أُنجب بصورة طبيعية، لهذا سميناها صابرين، وكانت حلاوة كل حياتنا وحياة أبيها”، تقول السيدة التي تعيش في مدينة جباليا شمال قطاع غزة.
انضمت صابرين إلى الجلسة، ضمّتها أمها وهي تكمل: “أنارت حياتنا، ظننت بإنجابها أن ما كان يقلقني قد انتهى، استقرت حياتنا أنا وزوجي لسنوات، لكن سرعان ما أظلمت مجددًا!
حين شن الاحتلال الإسرائيلي حربًا على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر وأجبر سكّان شمال القطاع على النزوح إلى جنوبه، اختارت عائلة سمير عدم النزوح، فظلّوا في بيتهم في جباليا شمال قطاع غزة.
تمسح فاطمة دمعة سقطت من عينِها، فهي لم تتوقع أبدًا أن وحيدتها ستصبح يتيمة، وأنها ستتحمل إلى جانبها سلفتها (زوجة شقيق الزوج) أعباء المنزل.
تشرح فاطمة ما حدث: “منذ الأسبوع الأول للحرب، نزحنا أنا والعائلة، أنا وزوجي وأمه وطفلتنا، ومعنا عائلة أخيه، إلى منزل أقارب لنا في الحي المجاور، بسبب اشتداد وتيرة القصف على حيّنا والقذائف حول منزلنا، كان الرجال في منزل آخر يعود لأحد أقاربنا كخطة طوارئ وتفادي أن يتم استهداف كل العائلة”.
قطعت صابرين حديث والدتها وهي تقول: “كنت قريبة من والدي، كان يلعب معي ويتحدث معي، لم نفترق إلا في الحرب”، حيث تنقّلت العائلة من منزل لآخر داخل جباليا.
عودة إلى فاطمة التي تشرح: “يوم 20 ديسمبر 2023م، كان يوم ثلاثاء، تجمعت العائلة، وقال سمير إن اشتياقه لصابرين هو ما دفعه للحضور والبقاء معنا، كان يشتاق لها كثيرًا، لقد كانت حبيبة أبيها ولم تفارقه أبدًا منذ ولادتها، ولكن بسبب الحرب تفرّقت الأسرة، تجمّعت النساء في الطابق الأول ومعهن الأطفال، والرجال في الطابق الثاني الذي قصفه الاحتلال وخرج منه سمير شهيدًا هو وشقيقه وابن خاله، كانوا جميعًا في غرفةٍ واحدة”.
لم تترك الحرب لفاطمة مجالًا لتحزن، ودّعت الشهداء ونزحت إلى مدرسةٍ في مدينة جباليا، تجنبت صابرين رؤية والدها بالكفن، لتبقى صورته وهو بأفضل حال في مخيلتها، تعقّب فاطمة: “لم نجد من يواسينا، كنا نبكي مصيبتنا وحدنا أنا وسلفتي، وفي اليوم الرابع لاستشهادهم، يوم 24 ديسمبر 2023م، اقتحم جيش الاحتلال المدرسة، فنزحنا من جباليا إلى مدينة غزة منطقة الجامعات”.
مرت الأيام قاسية على فاطمة التي كانت تنام مفترشة الأرض بلا غطاء يقيها وطفلتها البرد، ثمانية أيامٍ عانوا خلالها شحّ المياه والطعام وندرة الدقيق، أصيب الأطفال ومنهم طفلتها صابرين بسوء التغذية، عاشوا وسلفتها الجوع وحدهن دون معيل، ثم عادوا بعد ذلك إلى بيتهن في جباليا ليجدنه محترقًا عن آخره.
ويخالف ما تعرضت له عائلة أم صابرين نصوص اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي حظرت في مادتها (3) الاعتداء على المدنيين بالقتل أو التشويه، كما حظرت التهجير القسري للمدنيين، وأكدت ضرورة السماح بمرور الإرسالات الطبية والغذائية وهو ما لم يتحقق في حكاية أم صابرين.
حاولت أم صابرين ومن تبقّى من العائلة إحياء جزء من منزلها الذي تعرض لنيران القذائف الإسرائيلية والحرق، لتقطنه من جديد، لكن سرعان ما نزحت مجددًا يوم 11 مايو 2024م، إلى منطقة الصناعة بمدينة غزة، وفي كل نزوح تحاول فاطمة جمع ما تبقى لها من ثبات لتحاول العيش من جديد، إلا أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية تحرمها من ذلك.
تختم: “أحاول الحفاظ على استقرار ابنتي وإسعادها، وتعويضها عن جزء مما فقدته حين حُرمت من والدها الذي تعلقت به كثيرًا”.