تحت الحرب.. الزراعة مدمرة والأمن الغذائي في خبر كان
تحت الحرب.. الزراعة مدمرة والأمن الغذائي في خبر كان
غزة- أنسام القطاع:
لم يتخيل المزارع الخمسيني جلال عرفات، أن الاحتلال الإسرائيلي سيحرمه قسرًا من زيارة أرضه التي ورثها عن والده، وكانت مصدر دخله السنوي هو وعائلته!
كرّس عرفات حياته لزراعة أرضه البالغة 7 دونمات، والواقعة قرب محور نتساريم جنوب مدينة غزة، بغصةٍ يقول: “كانت الأرض خضراء كالجنة، الآن أصبحت ركامًا وترابًا دون مزروعات، ويسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي”.
ويجزم الرجل إن الاحتلال الإسرائيلي كان معنيًا بتجريف الأرض، حيث أعلن عن اقتطاع أربعة كيلو مترات تبعد عن محور نتساريم، لتكون منطقة عازلة، بينما تبعد أرض عرفات أقل من كيلو مترًا عن المحور، “كان للأرض والآبار فيها نصيب الأسد من التجريف والتدمير، هي والأراضي المجاورة لها”، يقول عرفات.
زرع عرفات أرضه منذ القِدم بالزيتون والحمضيات التي يشتهر بهما قطاع غزة، وكان يعتمد عليها في دخله وأمانه النفسي، ورغم تعرضها للأضرار في الاعتداءات السابقة، لكن ليس بالصورة التي هي عليها خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، حيث يعتمد الاحتلال سلاح التجويع لمحاربة سكان القطاع.
حين دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يناير 2025م، استطاع الرجل الوصول لأرضه، لكنه يعقّب مصدومًا: “احتجت ساعة ونصف للتعرف عليها من شدّة الدمار الذي لحق بها، الاحتلال تعمّد تغيير معالك المكان ضمن تخطيط ممنهج من أجل تغيير الجغرافيا والقضاء على القطاع الزراعي، لحرمان قطاع غزة من سلّته الغذائية، كنا قبل الحرب نوفر 85% من حاجة السوق المحلي من الفواكه والخضار”.
من جانبها تقول المزارعة سماهر شاهين وهي رئيسة عمال الفلاحة والتصنيع الغذائي، إنها اضطرت للنزوح وترك أرضها القريبة من منطقة الحدود الشرقية لمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، منذ أول أيام الحرب.
وتابعت: “تركنا أرضنا ومصدر دخلنا ونزحنا إلى أماكن لا تراعي خصوصيتنا، ولا تتوفر فيها مقومات الحياة”، فحياة المزارعة مختلفة عن غيرها، فهي لا تستطيع العيش دون أن تزرع وتُشرف على محصولها، حسب شاهين.
تضيف أن العدوان أجبر المزارعات على ترك أراضيهن ومصدر دخلهن فأصبح من الصعب الوصول إليها، وأصبحت المناطق الزراعية محظورة يتم استهداف أي جسم متحرك يقترب منها.
تواصل: “تم استهداف آبار المياه بشكل مباشر في كل المناطق الشرقية القريبة من الحدود، والزراعة تعتمد أصلًا على المياه، فكان الاستهداف متعمدًا من أجل شلّ الحياة الزراعية، وزيادة معاناة المواطنين”.
“لم نستطع الوصول إلى أراضينا في المناطق الشرقية لمدينة خانيونس، حتى خلال وقف إطلاق النار المؤقت، كان يتم إطلاق النار على المزارعين والمزارِعات، وهناك من فقد حياته”، تقول شاهين.
وتشير إلى أن التربة بحاجة إلى علاجٍ وإلى سنوات طويلة حتى تتأهل خاصة أنها أصبحت سامة نتيجة المتفجرات والصواريخ التي أطلقت عليها، مؤكدة أنهم بحاجة لبرامج ضخمة كي تعود التربة كما كانت، رغم ذلك حاول العديد من المزارعين استصلاح أراضيهم وزراعتها فالسوق المحلي يعاني من شح الخضار.
بدوره يقول سعد زيادة مدير اتحاد لجان العمل الزراعي في قطاع غزة، إنه قبل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، كان هناك اكتفاءٌ ذاتيٌ في معظم أنواع الخضراوات، وفي بعض أنواع الفواكه، وكان قطاع غزة يصدّر بعضها إلى الضفة الغربية، نظرًا لإمكانية الوصول لكافة الأراضي الزراعية.
لكن خلال الحرب، كما يقول زيادة، فالاحتلال دمّر كافة الأراضي الزراعية، واستهدفها بشكلٍ مباشر، وهجّر السكان وخاصة المزارعين، إضافة إلى أنه قلّص مساحة الأراضي الزراعية بنسبة 60-70%، وهذا بدوره انعكس على حجم الإنتاج الزراعي، ولا سيما الخضراوات، فأصبحت شحيحة وارتفعت أسعارها، فالمعروض لا يغطي احتياج الناس.
ويشرح أن الأراضي الزراعية شمال وجنوب قطاع غزة، كانت تمثل السلة الغذائية لقطاع غزة، وجزءًا آخرًا يتم توريده للضفة، وحاليًا هناك إشكالية في المساحة الزراعية، فالاحتلال أجبر أصحاب الأراضي على تركها وأيضًا بسبب حالة النزوح المستمرة أدت لأن ينصب النازحون خيامهم في أراضي زراعية ودفيئات، وما هو متاح حاليًا لا يغطي 20% من احتياج المواطنين.
وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) فإن الاحتلال دمّر خلال الحرب ما نسبته 75% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة.
ويخالف ما تعرضت له الأراضي الزراعية في قطاع غزة اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت في مادتها (53) على دولة الاحتلال تدمير الممتلكات الثابتة أو المنقولة الخاصة بأفراد أو جماعات أو الدولة أو السلطات العامة او المنظمات الاجتماعية والتعاونية.
عودة إلى زيادة الذي يقول إنه مع بداية الحرب أصبح هناك ارتفاعٌ جنوني في أسعار الخضروات إن وجدت، إضافة إلى ارتفاع أسعار البذور وشحها، فالاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول كل مستلزمات الزراعة، وتكلفة الزراعة أصبحت باهظة جدًا، فزراعة الدنم تكلّف 30 ألف شيكل، والاحتلال كان معنيًا بتجريف الأراضي من أجل إحداث مجاعة على قطاع غزة.
وختم بأن المناطق العازلة غير قانونية كون الاحتلال يقيمها في أراضي قطاع غزة، ويحق للمزارعين الوصول إليها، لكنها محظورة عليهم بقوة السلاح، فما يجري في قطاع غزة هي حرب إبادة وعقاب جماعي يمثلان جريمة حرب وانتهاك للقوانين الدولية.