منار، أُصيبت بالسرطان فطلقها زوجها.
غزة- CMC – آلآء البرعي
ساعاتٌ قليلة لم تمرّ, برداً و سلاماً, على “منار” ذات ال(35عاماً) لدى دخولها المستشفى لتُجري فحصاً كانت تعتقد أنه روتينيَ للإطئنان على صحتها بعد إحساسها بالتعب والاجهاد و تفاقم وضعها الصحي، جاءها الطبيب المسؤول ليخبرها بالفاجعة، اصابتها بسرطان الثدي ، الذي هزَ كيان زوجها قبل كيانها ، ليقرر فيما بعد أنه سيطلقها.
منار ضحية مرضٍ لا ذنب لها فيه ، و ضحية أنانية زوجها الذي تخلى عنها في أشد حاجتها إليه ، رسمت على وجهها ابتسامةٍ خفيفة رافقتها بعبارة ” الحمد لله” و بكثيررٍ من الألم تقول :”قبل سنةٍ من الآن لاحظتُ تغييرات ٍ في ثديي الأيسر, غير أنني لم أُعر هذا التغيير أي إهتمام، ولكن مع مرور الوقت ازداد الألم وازدادت شكوايّ، التي تحولت إلى يقين بعد إجراء التحاليل والفحص الاشعاعي”.
تضيف منار قائلة :” رفضتُ تقبلّ المرض، و لم أرضخ لإلحاح الأطباء بضرورة استئصال الثدي و قررتُ تفادي ذلك حتى الموت, انا لا اتخيل أني سأفقد جزء مني في عملية, معقول أني سأفقد جزء من أنوثتي أيضاً”.
إحساس منار بمرضها وخوفها من إجراء العملية الجراحية لاستئصال الثدي، جاء نتيجة أن أحداً لم يساندُها منذ البداية ، ولم يتعاطف معها, ولم تجد تشجيعاً من المحيطين بها لإجراء العملية ، فزوجها و قبل الاعلان النهائي للفحوصات بدأ بالتنصل من مسؤولياته المعنوية و المادية اتجاهها.
تقول بعيون تملؤها الدموع :” خلال مرضي أدخُلتُ المستشفى عدة مرات ، كان زوجي يتركني في تلك الأيام وحيدةً دون أن يسأل عني ، إلى أن أخبرني في أحد الأيام و أنا على سرير المستشفى بأنه اتخذ قراره النهائي بإنهاء علاقتنا الزوجية”.
و تواصل منار مآسيها و هي تمسح بطرف كُمها دمعتها ” كُنت اعيش حياة سعيدة و هادئة إلى أن غدرني المرض، وغدر بي زوجي أيضاً, والآن انتظر الموت فحالتي المرضية مستعصية ومتطورة”.
قصة منار مع مرض السرطان ليست فريدة من نوعها ، فقد بات الخوف من هذا المرض يؤرق حياة من هم مثل منار بعد تفشي انتشاره، فقد أرتفعت نسبة الحالات الجديدة المسجلة لسرطان الثدي من المجموع الكلي لحالات السرطان الجديدة المسجلة سنويا في فلسطين من 11% في العام 2000 إلى 19% في العام 2010، وتتركز حالات الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء في فلسطين في الفئة العمرية ما بين 20 سنة و59 سنة، علماً بأنه تم رصد حالات نادرة بسرطان الثدي بين الذكور وكانت كلها في الفئة العمرية فوق 60 سنة..
تعاني منار من وجود نقصٍ حاد في الأدوية و من طول الوقت بين جلسات العلاج بالأشعة و تزداد معاناتها بسبب نظرة أقاربها و المجتمع لها ، حيثُ دخلت في دوامةٍ من المشاكل الأُسرية التي لم ترحم ضعف جسدها, ” أُحاول استجماع قواي لتربية أولادي فزوجي رفض تماماً التحولات الجسمانية التي حصلت لي ، فلم يعد مظهري يعجبه ، قام بتطليقي ، و الزواج من أُخرى “.
تزداد حالة منار سوءاً كلما تذكرت ما حلّ بها و من جفاء زوجها معها فهي الآن بلا مأوى ، تقول الأخصائية الإجتماعية في مركز الهلال الأحمر بمدينة غزة فردوس الكتري :” يجب أن ندرك أن هذا المرض يفتك بنفسيّة السيدة أو الفتاة المصابة قبل أن يفتك بجسدها، فهي تبدأ بالانهيار بمجرد تشخيص وضعها، نظراً لخصوصية هذا النوع من السرطان، وأنا أتلقّى ردود أفعال نفسية مختلفة لسيدات مصابات، تتنوع بين الذعر، والصدمة، وعدم التصديق، وإهمال الذات، وفقدان الأمل في الحياة، وحالات معقدة من الاكتئاب؛ لدرجةِ أن ترفض بعض المصابات العلاج “.
و تضيف الكتري :” دور العلاج النفسي لا يتوقف على المريضة المصابة, بل يلتقي المختصون بأهل المصابة لتوعيتهم بحالتها المرضيّة والنفسية خاصة الزوج إن كانت المرأة متزوجة، ليكونوا عوناً لها في رحلتها العلاجيّة، كما تقوم بعض المراكز المهتمّة بهذا المرض بزيارات منزلية بشكل دوري لمتابعة الحالة .”
وعن الثقافة المنتشرة في المجتمع الغزّي في ذات الشأن تقول الأخصائية الاجتماعية: هناك الكثير من المعلومات المغلوطة حول المرض، والتي تؤثر بشكل كبير على الحالة المصابة، سواء من قبل الزوج أو الأهل، فهناك بعض الأزواج ينفرون من العلاقة الزوجية ظناً منهم بأن المرض معدي، أو لشعورهم بالخوف و التوتر”.
وفي المجتمع المحليّ, يعتبر عدد من الرجال أن المرأة المُصابة بسرطان الثدي غير قادرة على القيام بواجباتها الزوجية والأسرية فهي بالنسبة لهم ” سلعة منتهية الصلاحية ” يسهُل التخلي عنها و استبدالها تحت مبررات دينية و أُخرى إجتماعية.
والد منار يُعبر عن عن موقفه تجاه ما حصل مع ابنته: “يجب العمل على تصحيح المعتقدات المُترسخة لدى عدد من الرجال حول مرض السرطان, وأن الشفاء منه امر مستحيل ، فيجد الزوج مُبرراً لتطليق زوجته المريضة “.
و يضيف :” ابنتي عانت من صدمتين ، صدمة المرض و صدمة الطلاق، و هي تتعرض كثيراً للإنهيارات العصبية, وكم أتمنى إقرار قانون يُجبر الزوج على التكفُل بزوجته حتى شفائِها أو وفاتها، لأن تطليقها يحرمها من التأمين الصحي”.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)