نقص العلاج أفقد يوسف عينه …والبقية أصعب
نقص العلاج أفقد يوسف عينه …والبقية أصعب
خانيونس- أنغام يوسف:
ينظر الشاب فراس العقّاد (24 عامًا)، بقلقٍ إلى عينه المتبقّية بعدما فقد البصر في عينه اليسرى بسبب نقص العلاج والمستلزمات الصحية والمتابعة الطبية، فحالته تدهورت نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي اندلعت منذ 7 أكتوبر 2023م، وعطّلت عمل القطاع الصحي، وأثّرت سلبًا على المرضى.
يعيش فراس في خيمةٍ من القماش البالي، لا تقي حرّ صيفٍ ولا برد شتاء، منذ نوفمبر 2023م، بعدما نزح قسرًا مع عائلته من بيتهم في وسط مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، إلى منطقة المواصي غرب المدينة، وبدأ رحلة معاناةٍ يومية.
يقول فراس: “أعاني من مرض السكري درجة أولى منذ (12) عامًا، لكن نقص العلاج خلال الحرب أثّر على حياتي، فتسببت في ضعف المناعة، وارتفاع حموضة الدم، واضطراب في العصب السادس والسابع، تسبب في فقدان بصري في عيني اليسرى، ونزيف داخلي لشبكية العين اليمنى، وتكرار حالة التبول اللإرادي بسبب ذلك”.
نزح يوسف في نوفمبر 2023م، في بداية شهور البرد، كانت الأغطية قليلة، فأثّر ذلك على أطراف جسمه، فهو لا يشعر بهم أحيانًا، والنوم على الرمال أثّر على استقرار صحته، فأصبح يستخدم البامبرز، لعدم قدرته على الذهاب المتكرر إلى دورة المياه لقضاء حاجته ليلًا.
يتحشرج صوته وهو يتابع: “لم أتخيل أن يأتي يوم أبحث فيه عن علاجي وإبر الحقن الخاصة بي ولا أجدها، فوصل بي الأمر لاستخدام (الاسرنج) الواحد عدة مرات في اليوم، حسب عدد جرعات العلاج بسبب عدم توفرها، إن حصلت عليها فالكمية لا تكفي أسبوع”.
يتلقّى يوسف يوميًا أربع جرعات من علاج الأنسولين النوع الأول والثاني، باستخدام إبرة واحدة، ما يجعله عرضةً لأمراض مثل التهاب الكبد الوبائي بسبب التلوث، لكن لا يوجد بديل ولا حتى مواد تعقيم لاستخدامها مرة أخرى.
يتابع: “عدم المداومة على الجرعات المطلوبة أثّر على حاسة البصر، تدهورت حالتي، فقدتي البصر في عيني والثانية تعاني النزيف في الشبكية، وإن بقي الحال على ما هو عليه سأفقد بصري تمامًا”.
بمرارة يتحدث الشاب عن ارتفاع الأسعار وعدم توفر المستلزمات الصحية مثل البامبرز التي كانت مجانية أو شبه مجانية قبل الحرب للمرضى والحالات الخاصة، فهذا الأمر جعل منه شخصًا انطوائيًا، لا يستطيع الابتعاد عن الخيمة، فهو يحتاج لدخول دورة المياه في أي لحظة، ومعرّض لفقدان الوعي في أي زمان ومكان.
يضطر يوسف للذهاب سيرًا على الأقدام مسافات طويلة من أجل إجراء فحص طبي، أو ركوب عربة تجرها الدواب لعدّة ساعات، يقول: “تعرضت لفقدان الوعي في الطريق عدة مرات بسبب التعب والإرهاق، وكنت أجد من المارّة من ينقذني أو يتصل بالإسعاف”.
معاناة يومية أخرى يعيشها يوسف في محاولة الحفاظ على صلاحية الجرعات في ظل عدم وجود ثلاجة والانقطاع التام للكهرباء في قطاع غزة، “مَن يضمن صلاحية أنبوب العلاج وعدم فساده”، يتساءل يوسف بحرقة.
يكمل: “لا يُعقل أن يُحفظ علاج مريض في حقيبة داخل أحد زوايا الخيمة، أو على رفٍ خشبي مكشوف ضمن الأدوات الشخصية، فظروف المعيشة غير ملائمة للحياة، فما بالك للدواء”.
يعاني كذلك يوسف من سوء التغذية، فأصبح أكله محدودًا لعدم توفر الغذاء الذي يناسبه وضعه الصحي مثل الفواكه والخضار، المفقودة من السوق بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها إلى قطاع غزة.
يشير إلى جسده الضعيف معقّبًا: “انعدام الطعام الصحي أفقدني وزني، كنت في بداية الحرب 74 كيلوجرامًا، والآن أصبحت 48 فقط، الطعام المتوفر من المساعدات الإنسانية آخذ منه ما يناسب حاجة جسمي فقط”.
ويخالف ما يعانيه يوسف اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي نصت في مادتها (55) على أنه من واجب دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية؛ ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية.
وما زال يوسف يأمل بفرصة علاجٍ خارج قطاع غزة، توقف نزيف عينه المهددة بفقدان البصر، بالإضافة إلى علاج يمنع ارتفاع حموضة الدم عن طريق الحقن العلاجية، ويختم: “أتمنى الحصول على فرصة علاج عن طريق منظمة الصحة العالمية خارج قطاع غزة”.