ذوو الإعاقة…أنين تحت الإبادة

ذوو الإعاقة…أنين تحت الإبادة

غزة- بسمة أبو ناصر:

“أعيش الرعب مرتين، مرّة لأنني فتاة في ظل ظروف حربٍ طاحنة، ومرّة أخرى لأنني كفيفة، لا أستطيع رؤية ما هو أمامي”.

بهذه الكلمات، لخّصت نعمة العمري (16 عامًا) ما عاشته خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي شنّها الاحتلال يوم 7 أكتوبر 2023م، وأجبر خلالها سكّان شمال قطاع غزة على النزوح إلى وسط القطاع وجنوبه، كان لذوي وذوات الإعاقة منها نصيبٌ من المعاناة المضاعفة!

تسكن نعمة مع عائلتها في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، تعاني من ضعفٍ شديد في البصر نتيجة خلل خَلقي، تحتاج إلى متابعة طبية منتظمة، واستخدام نظّارة خاصة، إلى جانب تناول فيتامينات ومقويات تساعد على تحسّن حالتها، لكن الأوضاع الاقتصادية المتردية لأسرتها حالت دون ذلك.

رغم إعاقتها البصرية، كانت نعمة تتابع دراستها من خلالِ جهاز (آيباد) خاص، منحته لها مؤسسة لذوي الإعاقة، يساعدها في تكبير النصوص والتفاعل مع معلماتها، لكنه فُقد خلال إحدى موجات النزوح، لتفقد بذلك أداة تواصلها الوحيدة، لكن الأقسى حين أُجبرت على النزوح إلى جنوب قطاع غزة.

تستذكر نعمة تلك الليلة التي استيقظت فيها على صراخ عائلتها واهتزاز الأرض تحتها، قائلة بصوتٍ خافت: “والدي جرّني من يدي، ومشينا بين الركام”.

تصمت، ثم تضيف بحزن: “ذات مرة، اضطُررنا للهرب فجأة بسبب قصف قريب، لم أجد حذائي، فخرجت حافية، وكنت أتعثر في الحجارة والقطع المعدنية، بكيت من الألم، العالم كله يركض، بينما أنا كنت فقط أنتظر يدًا تمسك بي”.

تستكمل: “النزوح المتكرر بين رفح وخانيونس سلبني الإحساس بالأمان؛ كل مكان مؤقت، وكل لحظة مهددة، الأصوات العالية والحركات المفاجئة ترعبني، ولم أعد أجرؤ على الخروج وحدي كما كنت قبل الحرب، أشعر أنني فقدت السيطرة على تفاصيل يومي”.

تؤكد نعمة أن حالتها الجسدية تدهورت لعدم قدرتها على تناول الفيتامينات اللازمة بسبب ضيق الحال، لكنها ما زالت تتمسك بالأمل، قائلة: “بتمنى تنتهي الحرب وأرجع لرسوماتي وحياتي التي هشمتها الحرب والنزوح والفقر”.

في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، يعيش العشريني إبراهيم خريس، واقعًا قاسيًا ازداد صعوبة مع الحرب، فقد تعرّض لإصابةٍ أثناء مشاركته في مسيراته العودة عام 2018م، جعلته من ذوي الإعاقة، اعتاد التنقّل بحرّية بواسطة كرسي كهربائي، يطل من نافذة غرفته على الشارع، ويقول: “كانت الغرفة عالمي، والكرسي زي الجناح بالنسبة إلي”.

لكن كل ذلك انتهى في لحظة، قصفٌ عنيف دمر غرفته، وحطم كرسيه الكهربائي تحت الركام، “ركض إخوتي لإنقاذي، حملوني على ظهورهم تحت أصوات الانفجارات، ولم أستوعب أنني فقدت كل شيء بحبه بلحظة”، يروي إبراهيم.

يتذكر لحظة نزوحهم تحت القصف، عندما حاول شقيقه حمله على ظهره: “تعثّرنا وسقطنا سويًا، ارتطم جسدي بالأرض، شعرت أنني قطعة أثاث ثقيلة عليهم تُنقل من مكان لآخر”.

يعيش إبراهيم اليوم في خيمةٍ تفتقر لأدنى مقومات الخصوصية والراحة، ويتنقل بكرسي متحرك لا يناسب حالته، وسط طرقٍ مدمرة وركام يعيق كل خطوة، يقول: “لا توجد مواصلات ولا بيئة آمنة تساعدني على الحركة، كل خروج مغامرة خطيرة، والخوف من القصف لا يفارقني”.

يكمل إبراهيم إن حالته الصحية تتدهور، ويحتاج إلى علاجٍ باهظ غير متوفر في غزة، ولا يملك وسيلة للسفر، ويضيف بأسى: “حالتي النفسية صعبة.. ما بقدر أدخل الحمام دون مساعدة، وهذا يشعرني إني عبء على عيلتي رغم حبهم ودعمهم”.

“إحنا مش أرقام ولا حالات بتتقيد بالتقارير، إحنا ناس بدها تعيش بكرامة زي باقي البشر”، يضيف إبراهيم بصوت متعب لكنه ثابت، وكأنها رسالة يود إيصالها للعالم من بين الخيام والركام.

ورغم القسوة التي تحاصره، لا يزال إبراهيم يتمسك بخيوط الأمل: “قوتي من الله ومن عائلتي، أحلم أن أستعيد كرامتي، أن أتحرك مجددًا بكرسيّ الكهربائي دون أن أحتاج لأحد، وأن أحظى بفرصة للسفر والعلاج قبل فوات الأوان”.

تؤكد محاسن الحلبي، الأخصائية الاجتماعية في الجمعية الوطنية لتأهيل المعاقين، أن ذوي الإعاقة يعيشون مأساة مضاعفة، بسبب انقطاع الخدمات الأساسية وغياب الكراسي المتحركة والأجهزة المساعدة والأدوية والفيتامينات اللازمة، وهذا ضاعف من معاناتِهم، حتى ملاجئ النزوح كانت تفتقر لأبسط التسهيلات الأساسية مثل دورات المياه.

وتضيف أن الانقطاع المتكرر للاتصالات والإنترنت خلال الحرب عرقل تقديم الاستشارات الطبية عن بُعد، وأسهم في تدهور العديد من الحالات الصحية، لا سيما لدى من كانوا قادرين على المشي باستخدام العكاز أو جهاز “الووكر”، حيث فقد بعضهم هذه القدرة تدريجيًا نتيجة غياب جلسات العلاج الطبيعي ونقص الأدوية.

ويخالف ما تعرّض له ذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة، اتفاقية جنيف الرابعة، التي دعت في مادتها (16) أن يكون الجرحى المرضي وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين، كما يخالف المادة (11) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي طالبت الأطراف باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية.

ودعت الحلبي إلى تحرك عاجل من قبل المؤسسات الإنسانية والدولية، لإنشاء مراكز متخصصة لذوي الإعاقة في مناطق النزوح، لضمان حصولهم على الرعاية والخدمات الأساسية، وحماية كرامتهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى