بعدما دمره الاحتلال…حرب الإبادة تفرّق شمل ملتقى الإعلاميات

بعدما دمره الاحتلال

حرب الإبادة تفرّق شمل ملتقى الإعلاميات

رفح – دعاء برهوم:

تتنقّل لساعاتٍ من مكانٍ لآخر، علّها تجد مكانًا تتوفّر فيه شبكة انترنت قوية لترسل موادها الصحفية إلى المؤسسة الإعلامية التي تعمل معها، بعدما دمّر الاحتلال الإسرائيلي المكان الذي كانت تتكئُ عليه قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023م.

تتنهّد الصحفية ظريفة حسن وهي تصف حالها: “سرت في رحلةِ بحثٍ مطولة عن أماكن يتوفّر فيها انترنت، استخدمت الشرائح الالكترونية التي لا تفي بالغرض لمتابعة الأخبار بعد أن دمّر الاحتلال الحاضنة الأولى للإعلاميات جنوب قطاع غزة وهو (ملتقى إعلاميات الجنوب)، حين قصف المبنى المجاور له”.

ملتقى إعلاميات الجنوب هو المؤسسة الإعلامية الوحيدة التي كانت تتواجد بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، كما توضح ظريفة، فيه تجتمع الصحافيات لممارسة عملهن، حيث تتوفر الكهرباء والانترنت والمعدّات الخاصة بالعمل مثل الكاميرات وأجهزة الصوت، واستوديو تسجيل وبث.

بتنهيدة قوية تواصل: “منذ كنت في عامي الجامعي الأول، طرقت أبوابَ الملتقى لأجده مكانًا يحتوي الجميع، ويوفر ما يلزم من تدريبات ولوجستيات خاصة بالإعلام”.

سجّلت ظريفة في هذا المكان الكثير من الذكريات، وشهد على تطورِها في الصحافة، لكن الصحافيات اللواتي افتقدن الخدمات التي كان يقدمها الملتقى بعد تعرّض المبنى للتدمير بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تفاقمت معاناتهن بحثًا عن مكان يواصلن من خلاله العمل.

تمامًا كما حدث مع الصحافية أنغام الأسطل، التي نزحت مع عائلتها إلى منطقة مواصي خانيونس غرب مدينة خانيونس والتي تعدّ منطقة نائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

تقول أنغام: “أصبح الوصولُ لشبكة الانترنت أمر شبه مستحيل، الانقطاع المستمر شكّل عائق أمام مواصلة عملي، اضطررت للمشي تحت أشعة الشمس عدة كيلو مترات كي أحصل على بطاقة انترنت مدة ساعة بتكلفة ثلاثة شواقل أي انها مرتفعة الثمن، لمواصلة عملي وإرساله قبل فوات موعده”.

تشير أنغام إلى أنها تعاني من الخللِ المستمر في شبكة الانترنت فتنقطع الشبكة، وتصبح في حيرة هل تبحث عن مكانٍ آخر أم تنتظر، وأحيانًا تجلس في الطرقات للحصول على انترنت من الشارع، بعدما كان كل هذا متوفرًا في الملتقى.

تكمل: “رحلة البحث تكون في وضح النهار تحت القصف، للرجوع إلى الخيمة مبكرًا، كل هذا نتيجة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتدمير المكان الذي كان يحتوينا”.

تستعيد نغم ذكريات تدريبات حضرتها في الملتقى ومساهمة هذه التدريبات في صقل مهاراتها وتطويرها، إلا أن تدمير المقر جعل كل هذا يذهب أدراج الرياح.

تكمل: “كنت سعيدة عندما بدأ الملتقى بتجهيز وحدة البث الإذاعي، أنا خريجة إذاعة وبحثت مطولًا عن إذاعة لصقل مهاراتي لم أجد سوى في غزة، ولبُعد المسافة لم أستطع الالتحاق بأي منها، فكانت وحدة البث في الملتقى طاقة نور سجلت من خلالها أول حلقة بودكاست لي بعدَ تدريبٍ مطوّل داخل الملتقى، لكن الاحتلال طمس أحلام الجميع بتدمير المكان”.

ورغم الدمار الذي حلّ بملتقى إعلاميات الجنوب، لكنه ما زال متمسكًا بالهدف الذي أنشئ من أجله، فكان عونًا وسندًا للصحافيات خلال الحرب من خلال تقديم المساعدات الإغاثية، والحقائب الصحية، بالتعاون مع مؤسسات نسوية، إضافة إلى إطلاق حملة الكترونية تسلط الضوء على جرائم الاحتلال بحق المرأة الفلسطينية.

تقول ليلى المدلل، المديرة العامة للملتقى، إنه (أي الملتقى) يعدّ الحاضنةَ الأولى للإعلامياتِ والإعلاميين جنوب قطاع غزة، لكنه لم يسلم من بطشِ آلةِ الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب، ولم يتمكن الطاقم من الوصول إليه بسبب وقوعه في منطقة يصنفها الاحتلال بأنها خطيرة.

ووفقًا لمكتب الإعلام الحكومي، فقد تعرضت 62 مؤسسة إعلامية للتدمير كليًا أو جزئيًا بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، في مخالفة لقرار 1738 الصادر عن مجلس الأمن، والذي يعتبر المنشآت الإعلامية والمعدات الصحافية الخاصة بها أعيانًا مدنية لا يجوز أن تكون هدفًا لأي هجمات أو أعمال انتقامية.

تضيف المدلل: “استشهدت زميلتنا آلاء الهمص وهي عضو مجلس إدارة بالملتقى، لكن ذلك لم يزيدنا إلا إصرارًا على المواصلة، وكشف جرائم الاحتلال، والعمل على تطوير وتدريب الإعلاميين والإعلاميات”.

أُنشئ الملتقى في محافظة رفح جنوب قطاع غزة عام 2005م، وبدأ يكبر ويتطور بتقديمه برامج ومشاريع مختلفة في مجال الإعلام، واستقطاب الطلبة والخريجين من كل المحافظات لصقل مهاراتهم وتطويرها.

وتوضح المدلل إن الملتقى بدأ دوراته التدريبية في مجال التحرير الصحفي والتصوير الفوتغرافي، إلى أن وصل إلى الصحافة الاستقصائية، وإعداد تحقيقات استقصائية بالتعاون مع صحافيين استقصائيين، وإنشاء ملتقى الرواد الاستقصائي، إضافة إلى مجلة إنسان التي تستهدف الخريجين والخريجات.

وبعد تعب وجهد سنوات، أنشأ الملتقى وحدة البث الإذاعي، لإطلاق إذاعته الأولى جنوب قطاع غزة، وبعدما حصلت على الترخيص وتم تجهيز الوحدة الإذاعية، كانت حرب الإبادة لهذا الحلم بالمرصاد حين تدمر الملتقى باستهداف مبنى مجاور له.

بحزنٍ تختم المدلل: “في الحرب السابقة، فتح الملتقى أبوابه للإعلاميين والإعلاميات ليمارسوا عملهم من خلاله، لكن منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، أُغلق رغم أنه مكتب إعلامي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى