الطمع في الراتب..هل يدفع آباء وأمهات لتأخير زواج بناتهم؟!

تقرير/ سهى الحمراوي – منال فتاة تبلغ من العمر 37 عاماً, بدت ملامح اليأس والحزن والكبر على وجهها بعد أن فقدت حقها في اختيار زوجها المستقبلي وإنجاب أطفال تضمهم في صغرهم وتستند إليهم في كبرها, لكن والديها سلبا منها حقها في الزواج بسبب راتبها وتركاها في ظلام دامس تتخبط فيه طوال عمرها بالرغم من حصولها على شهادات عليا وقدرتها على اتخاذ القرار.                                                                                               طمع والديها في راتبها  أضحى  السبب في ضياع حقها في الزواج معتمدين على حجج تعجيزية بقيت على لسانهم طوال عمرها حتى ابتعد عنها الشباب, ولم يعد يتقدم لخطبتها.

في الفترة الأخيرة بدأنا نسمع عن طمع بعض أولياء الأمور براتب بناتهن الموظفات الذي نتج عنه مشكلة حرمان الفتاة من الزواج، فتبقى في منزل وليها كأنها “البقرة الحلوب” التي تدر عليه المال فحرمها من مملكتها الصغيرة بين أطفالها وزوجها.

فالزواج سنة الحياة فقد أمر الشرع الآباء بتزويج الفتيات إذا جاءهن خاطب كفء, ويبين ان تأخير ذلك يترتب عليه مخاطر كثيرة على الفرد والمجتمع لذلك جاء في حديث الرسول الكريم محمد (ص) (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كثير).

والملاحظ من حال بعض أولياء الفتيات تأخير زواجهن ورد الأكفاء بأعذار أوهى من خيط العنكبوت طمعا بالراتب حتى تحصل الكارثة ويدخلن مرحلة العنوسة وهذا العنف يعد تعطيل للفطرة وانتهاك لحقوقهن وتحكما في عواطف النساء ومشاعرهن وإهدار كرامتهن بل هو إلغاء لإنسانيتهن من غير خوف من الله ولا حياء .

ومن أسباب منع الفتيات من الزواج بسبب الراتب هو ابتعاد الولي عن الدين وضعف القيم الإسلامية وضمور معنى الأسرة في النفوس وخاصة لدى الرجال وخوف الفتاة وحياؤها ويمكن الإشارة أن أهم الأسباب التي أدت إلى هذه المشكلة جشع بعض الأولياء وسعيهم الدائم إلى استنزاف رواتب الفتيات الموظفات.

وقالت منال عند اقتراب موعد حصولي على راتبي الشهري تبدأ والدتي بالتقرب مني وتحضر ما لذ وطاب من الطعام وتسألني: أين الراتب ؟؟                                                                                           وأضافت  “لقد سئمت من حياتي إلى متى سيبقى هذا الوضع؟ إلى متى سأبقى صامتة أنا لا أطلب الكثير، أطالب أن أعيش حياه طبيعية مثل باقي الفتيات أتزوج وأنجب الأطفال”.

لم تكن قصة منال الوحيدة التي اكتوت بنيران راتبها فالموظفة الحكومية ندى (40 عاما ) انتهك والدها حقها في الزواج خوفا من عدم الاستفادة من راتبها.

وتقول “استغل والدي سلطته وحصل على وكالة مني بالإكراه واْخذ يتصرف براتبي مع ترك مبلغ ضئيل كمصروف شخصي لي”.

انتهاك لآدميتها…!!

منسقة مشروع (تمكين النساء) في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية حنان صيام أكدت وجود حالات تم بموجبها منع زواج الفتيات العاملات ولكنها مدفونة وتعد من أبرز أشكال العنف هو إذ يرفض أولياء الأمور تزويج الفتيات بغرض الاستيلاء على رواتبهن فيضع الولي في طريق الخطيب الكفء ألف عقبه من الشروط والتعهدات حتى يفشل موضوع الزواج. ورغم انها تعزو الأمر إلى الوضع الاقتصادي ولكنها تؤكد انه “ليس مبرر لانتهاك آدمية وإنسانية الفتاة العاملة”.

ومن نتائج حرمان الفتيات من الزواج  خلق صراع داخلي بين رغباتها التي فطرها الله عليها من ناحية وبين أعراف وتقاليد المجتمع وإصرار ولى أمرها على منعها من الزواج دون مبرر معقول من ناحية أخرى بالإضافة إلى دخول الفتيات في صراع في علاقتها مع وليها وما هو منتظر منه لرعايتها وحمايتها وتلبية رغباتها العاطفية والمادية وبين حقيقة تسلطه وتحكمه في حياتها بطريقة غير إنسانية أو شرعية الأمر الذي يجعلها عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية والتحول إلى شخصية غير منتجة  أو فعالة في المجتمع وتكوين  أفكار غير سوية  نتيجة شعورها بعدم إنصاف المجتمع.

الرضوخ ليس حلا:

عبد الخالق البحيصي مدير دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري في المحكمة الشرعية أكد اْن هناك العديد من الحالات التي تم معالجتها في موضوع حرمان الفتاة من الزواج بسبب الراتب بحيث تلجأ الفتاة المخطوبة التي يتجاوز عمرها 20عاما إلى المحكمة الشرعية, وتطالب القاضي بتزويجها لاعتراض الولي عن تزويجها بالخطيب المناسب طمعا براتبها.

ومن شروط إجراء العقد أن يكون هناك ولي (الوالد فما على فالأخ فالعم ثم الخال) فيتم استدعاء وليها والحديث معه بصورة ودية لمعرفة أسباب إعراضه عن تزويج الفتاه فإذا كانت الأسباب شرعية لا يزوجها أما إذا ثبت العكس ترفع الفتاة شكوى عضل على وليها وتستغرق الإجراءات شهرا أو شهرين, ومن ثم يبت القاضي في أمرها ويصبح  القاضي وليها (القاضي ولي من لا ولي له) ويقوم بتزويجها.

وقال( الإسلام أوجد الذمة المالية للفتاة العاملة بحيث يحق لها التصرف بمالها كما تشاء).

وعلى الصعيد القانوني يؤكد سمير حسنية محامي وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ان القانون يكفل للفتاه حقها في الزواج إذا امتنع الوالي عن تزويجها طمعا براتبها بتقديم شكوى للمحكمة.

ومن الحلول التي تعالج هذه المشكلة حسب حسنية توعية الفتاة بحقوقها القانونية وتمتعها بالقوة للمطالبة بها بالإضافة إلى توعية الأسر بعواقب عضل الوليّ وامتناعه عن تزويج ابنته طمعاً في الراتب من الناحية الشرعية وإحدى الحلول التي تمكن الفتاة العاملة من الزواج هو الاشتراط بعقد الزواج أن يكون جزءا من الراتب لوليها. وطالب بتنظيم حملات توعية بهذا الخصوص لإنقاذ المجتمع من مشاكل قائمة وإن لم تطفو على السطح.

ومن جانبها أوضحت وكيل مساعد شئون المرأة أميرة هارون ان الولي جاء ليدعم حقوق الفتاة ولم يأت به الشرع ليكون عائقا أمامها مؤكدة بان الشريعة الإسلامية أباحت للفتاة التي تظلم بسبب راتبها “ذمة مالية مستقلة”, وبالتالي لا يحق لأي إنسان أن يتحكم براتبها و(إذا ظلم الولي يمكن للقاضي تزويجها) وفق هارون.

وقالت: “من الضروري أن يكون للفتاة العاملة المقبلة على الزواج وعي بأن لها ذمة مالية سواء كانت في بيت أهلها أو عند زوجها ويكون لها شخصية اعتبارية تؤهلها للحصول على حقوقها بالتوازن وأن يعي المجتمع مكانة الفتاة ودورها في الأسرة”. وحثت هارون الفتيات إلى عدم الرضوخ لاستغلال وليها منعا لتفاقم المشكلة في مجتمعنا.

على الرغم الأبعاد الاجتماعية المختلفة للمشكلة, إلا انه نادرا ما يكون هناك حالات ترفع الفتاه شكوى للمحكمة الشرعية ضد وليها لمخالفة هذا التصرف مع العادات والتقاليد. وصمت الفتاة وعدم دفاعها عن حقها في الزواج وحصولها على الراتب وسيلة من وسائل مساعدة مرتكب الجريمة بالاستمرار بجريمته وتكريس لدونية الفتاة وانتهاك لحقوقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى