حكاية نجوى التي أفقدها الاحتلال أربعة حواس
حكاية نجوى التي أفقدها الاحتلال أربعة حواس
النصيرات – سالي الغوطي :
“ماما وين عينك، أصعب سؤال ممكن يتوجهلك من أطفالك”، قالتها نجوى أبو عطيوي بحزنٍ وألم، فآلة الحرب الإسرائيلية أفقدتها عينها اليسرى، وألبستها كومة من الإصابات في جسدها النحيل.
تعيش نجوى أبو عطيوي (40 عامًا) في خيمةٍ داخل بيتها المقصوف في النصيرات وسط قطاع غزة، هذا البيت لطالما شهد ضحكاتها وتفاصيل جميلة مع أشخاص أصبحوا الآن من الماضي!
تقول نجوى بينما تمسح دموعها: “يوم 11 سبتمبر 2024م، كان كالكابوس، منذ بداية الحرب التي شنها الاحتلال يوم 7 أكتوبر 2023م على قطاع غزة، اعتدنا المكوث في مدارس أونروا، والعودة لبيتنا بين حينٍ وآخر، وفي هذا اليوم تعرض بيتنا للقصف”.
تحبس دموعها وتتنهد بعمق وتكمل: “لم أسمع شيئًا سوى صرخات أبنائي ماما استشهدت”.
خرجت نجوى من العناية المركزة بعد أربعة أيام، وبدأت السؤال عن الجميع، أخبروها إنهم مصابين، “قلبي كان يقول شيء آخر”، تقول نجوى، بالفعل أخبروها لاحقًا باستشهاد والدة زوجها وطفلتها هاجر (6 أعوام)، وأخت زوجها، أما زوجها وأطفالها الخمسة فهم مصابين.
بالكاد تستطيع نجوى تحريك فكيها أثناء الحديث، فهي فقدت عينها اليسرى، ولا تستطيع الرؤية باليمنى كما السابق، خضعت لعدةِ عمليات غير ناجحة، تعرضت لكسورٍ في الأنف والفكين، ولا تستطيع الأكل ولا حتى التنفس، فالاحتلال سلبها عائلتها وبيتها؛ وحتى حواسها.
تقول بمرارة: “أسميت طفلتي هاجر على اسم جدتها التي رحلت معها، كانت مقربة جدًا منها، حتى إنها ليلة القصف نامت إلى جانبها في فراشها”.
تعود نجوى بذاكرتها إلى بدايات الحرب في أكتوبر 2023م، حين نزحت بعائلتها إلى مدينة رفح، وأقامت في خيمةٍ على الحدود المصرية، دون أن تمتلك المال من أجل الفرار، ولكن جاءت شقيقتها وقاسمتها التكلفة، ومكثتا سويًا في الخيمة، ومنذ ذلك اليوم وهنّ يعشن على المساعدات.
كانت نجوى حامل في طفلةٍ أنجبتها في مارس 2024م، ولم تعلم أن أمومتها ستكون مقيدةً بسبب الإصابة، تشرح: “لم أستطع حملها ولا إرضاعها، أعطيتها لابنة أختي كي ترعاها، عمرها الآن عام وهي ليست معي، فقط تحضرها ابنة أختي كي أراها لدقائق وأملأ قلبي منها ولكن هذا لا يكفي”.
“تنظر إلى وجهي وكأنني شيء غريب لم تعتد رؤيته، تحسس على وجهي بيديها الصغيرتين، ربما تريد أن تسترجع وجه أمها القديم”، تقول نجوى، ثم تضع يدها على كل وجهها وتنخرط في بكاءٍ عميق.
تعيش نجوى حاليًا على شرب السوائل فقط، حتى إن وزنها يتناقص سريعًا ولا تستطيع العودة إلى عملها، فقد كانت قبل الحرب تعمل في تزيين النساء “كوافير”، لكن جسدها الآن لا يقوى على شيء، مكثت مع أطفالها وعائلة شقيق زوجها، فهم كل من تبقّى من العائلة، يعتمدون على المساعدات من الجيران وأهل الخير.
تتنهد ثم ترفع رأسها لأعلى وكأنها تستحضر ماضيًا انتهى وتتمتم: “أتمنى أن أستعيد أمومتي، شكلي القديم، حياتي البسيطة، عملي، أريد العيش كما السابق، أريد صحتي، عيني التي فقدتها، أشتهي الطعام خاصة في رمضان، كانت حماتي هي من تحضر السمبوسك طيلة شهر رمضان”.
تحتاج نجوى يوميًا إلى إبرة تروفين تخفف آلامها، في الوقت الذي تخشى فيه الإضرار بالكلى، بينما تحتاج إلى أكامول وريدي وأدوية أخرى لا تستطيع شراءها.
ويتناقض ما تعرضت له نجوى مع اتفاقية جنيف الرابعة التي حظرت في مادتها (3) استهداف المدنيين بالقتل أو التشويه، كما كفلت الاتفاقية حماية خاصة للنساء والأطفال وأكدت ضرورة توفير الأدوية والغذاء، وهو ما لم يتوفر لنجوى خاصة بسبب انهيار المنظومة الصحية بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الغذائية والصحية.
تختم نجوى حديثها بيأس: “أنتظر سفري من أجل العلاج خارج قطاع غزة، حصلت على الموافقة لكن طوابير الانتظار طويلة”، تتنهد وهي تتساءل: “أريد البقاء على قيد الحياة، حالتي تزداد سوءًا، لا أعرف إن كان جسدي سيتحمل هذا التعب حتى موعد السفر”.