مشاريع نسوية أحرقتها نيران الإبادة
مشاريع نسوية أحرقتها نيران الإبادة
غزة- فداء حلس:
ليلة 27 ديسمبر 2023م، فقدت السيدة سميرة حلس مصنع الخياطة الذي كانت تمتلكُه، بعد قصفِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيلي لمنزلِها في حي الشجاعية شرقَ مدينة غزة.
سميرة التي تعيل وحدها ثمانيةُ أفرادٍ بعد مرضٍ زوجِها عام 2015م، خاضت معركةً مع الحياة من أجلِ تأمينِ لقمة العيش لأبنائها، لكنها وبسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023م، خسرت مشروعها وباتت بلا عمل.
تقول سميرة وهي تقف على أنقاض منزلها ومصنعها الصغير: “خضت معركةً مع الحياة من أجلِ هذا المصنع، تقدّمت بمقترح المشروع لإحدى المؤسسات الإغاثية عام 2016م، ساعدتني بتوفير ماكينة خياطة وبعض لوازم الأقمشة، ولوازم أخرى متعلقة بالمشروع، حتى وقفت على قدماي”.
بدأت سميرة مشروعها بحياكةِ ملابسِ المواليد وتسويقها لدى المحلات التجارية، وبعدما لاقت بضاعتها رواجًا توسّعت في العمل.
تروي: “كنت أجلس 8 ساعات متواصلة على ماكينة الخياطة، حسب جدول الكهرباء الذي كان معمولًا به قبل الحرب، بعد عامٍ على بدءِ المشروع اشتريت ماكينة أخرى وعملت معي سيدةً ومن ثم توالت طلبات الزبائن، فلجأت لسحبِ قرضٍ بنكي لشراءِ أربع ماكينات، ومولد كهربائي واشتغلَت معي عدة سيدات أصبح مشروعي مصدر دخلن الوحيد”.
ومع اندلاع الحرب وتدمير مصنعها ومصدر دخلها، انضمّت حلس إلى مئات النساء اللواتي خسرن مشاريعهن الصغيرة، بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
تضع يدها على خدها بحزنٍ وهي تقول: “ما العمل، لست أدري ما عليّ فعله، لم أحصل على أي مساعدة ولا أدري ما القادم”.
تشببها في الأزمة الشابة دينا محمد (28 عامًا) وهي صاحبة مركز تعليمي أسسته في منزلها لتعليم اللغة العربية منذ عام 2017م، بعدما تخرجت من الجامعة عام 2015م، ولم تعثر على فرصة عمل.
دينا (أم لطفلين) يعمل زوجها بنظام اليومية في مجال تمديد الكهرباء للبيوت، وبعدما عجزت عن الحصول على وظيفة، فكّرت في فصلِ جزءٍ من بيتها لإقامة المركز الذي يساعدها على إعالة أسرتها، خطوة خطوة حتى رأى المركز النور وانطلقت في العمل.
تقول دينا: “بمجهودي الشخصي جهّزت غرفةً صفيةً بكلِ ما يلزم، واستقبلت الطلبة والطالبات من سكّان المنطقة يوميًا، مشروعٌ جعلني أكتفي به كمصدر دخل يسد احتياجات أسرتي”.
بعد أيام من وقف إطلاق النار في 18 يناير 2025م، عادت دينا من نزوحها في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لتفقّد بيتها المدمّر في شارع المنطار شرق حي الشجاعية، دقائق معدودة هي كل ما تمكنت من أخذها خلسة لتفقد البيت، كون المنطقة ما زالت مصنفة حدودية لا يُسمح لسكانها بالعودة إليها أو حتى إقامة خيام.
تقول دينا التي تقيم حاليًا داخل أحد مراكز الإيواء بعد فقدان بيتها: “لم أتوقع أن الدمار الذي طال كل شيء، سيشمل حُلمي ومشروعي الذي كنت أتوق لتطويره لكنه أضحى رمادًا”.
تضع يدها على خدّها وهي تندب حظها العاثر معقّبة: “لا أدري ما سيكون عليه مصيرنا”.
بدورها تقول سميرة عبد العليم مسؤولة لجنة المرأة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إن قطاع غزة، شهد قبل الحرب نهوضًا لانخراط النساء في سوق العمل، رغم تذبذب هذه النسبة بين الأعوام 2014 حتى 2022م، وكان آخر استطلاع للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أورد أن 7% من الأسر في قطاع غزة تعيلها نساء.
وتابعت عبد العليم إن الحرب أحدثت تراجعًا لعمل النساء وضربت البنية التحتية للقطاع وأماكن العمل، من الزراعة والخياطة وغيرها من القطاعات، بل وكانت المرأة هي الضحية الأولى لحرب الإبادة، وقد استحدثت الكثيرات منهن مهنًا جديدة كصناعة الأفران في البيوت والغسيل للنازحين وبيع الملابس القديمة، مشيرة إلى أن لهذا تأثير سلبي على النساء كونهن أجبرن على العمل بهذه المهن بسبب ظروف الحرب.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن المشاريعَ الاقتصاديةَ الخاصة بالنساء تضررت بشكلٍ كبير خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، وأفرزت الكثيرَ من التحديات التي تواجه النساء أبرزها ارتفاعُ معدّلاتِ البطالة في صفوفهن، لكن هذا لا يمنع أن دورَ المرأة كان كبيرًا في سوق العمل.
وشدد أبو قمر على أن المؤسسات النسوية العاملة في قطاع غزة، يقع عليها دورٌ كبيرٌ في دعم النساء اللواتي خسرن مشاريعهن خلال الحرب، لأنهن أكثر الفئات هشاشة، ويحتجن إلى مساعدات عاجلة لإنقاذهن، خاصة أنهن معيلات لأسرهن.
وأكد أن التعويضات جزءٌ مهم لإنقاذ مشاريع النساء من الإفلاس، وهذا يتمثل بمرحلتين الأولى التعافي بمعنى مساعدة المرأة على العودة لمشروعها، ومعرفة احتياجات المشروع وتعزيز صموده وتوفير الكهرباء ومساعدات مادية طارئة، والثانية تتمثل في تعويضات الأضرار بأن تكون المشاريع التي تقودها نساء أولوية في التعويض وألا يتم استثنائهن.