“الجشع” يحرم السيدة “سحر” من حقها الشرعي في الميراث
غزة/ بقلم: رغدة ماضي
بكت “سحر” بحرارةٍ وهي تشكو عدم قدرتها على تلبية أبسط متطلبات عيشها ولا حتى توفير العلاج لطفليها المصاب أحدهما مرض السكر والآخر بإعاقة حركية، رغم أنها تمتلك ميراثًا كبيرًا من أبيها، لكن أشقاءها الأبناء حرموها منه.
تسكن “سحر” “37 عامًا” في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، توفّي زوجها قبل خمس سنوات وترك لها ثلاثة أطفال، اثنان منهما يحتاجان إلى علاجٍ دائم ومتابعة مستمرة للأطباء المختصين ومنزلها بالكاد يصلح للسكن الأدمي، لتبقى دون مصدر دخل بعد وفاة زوجها الذي كان يعمل في شبكات الصرف الصحي المنزلي ودخله بالكاد يكفي لقوتهم اليومي لا أكثر من ذلك، بإضافة إلى بعض المساعدات التي كانت تتلقها من والدها.
وبحسرة تقول: “توفي والدي منذ عامين وحينها فقدت سندي الوحيد الذي وقف بجانبي بعد وفاة زوجي واحتياجات أبنائي كثيرة، خاصة أن إحداهما مريض سكر يحتاج إلى علاجٍ مستمرٍ وتغذيةٍ خاصة وآخر يعاني من إعاقة حركية ويلزمه احتياجات كثيرة أهمها الحفاظات والرعاية المستمرة”.
فكرت “سحر” بالمطالبة بميراثها من والدها ورغم علمها أنه حقها الشرعي لكنها شعرت بالحرج من مطالبة أشقائها به، كثيرًا حدثت نفسها “لما لا يعطوني حقي ويعفوني من الحرج وينقذوني من وضعي السيء”، فنصيبها ما بين مالٍ وأرضٍ كبير ويكفي لحل كل أزماتها، في النهاية وتحت وطأة الحاجة اضطرت للمطالبة بحقها، فأخبرها إخوتها عن نيتهم توزيع الميراث.
تكمل: “استبشرت خيرًا واعتقدت إن حصولي على ميراثي وحقي الشرعي سيحل أزماتي، حتى أخبرني إخوتي إنهم سيقومون بتوزيع الميراث ولكن أنا وشقيقاتي سنحصل فقط على مبالغ ترضية متواضعة لا تُقارن بحصصنا الشرعية في الميراث، ذلك مقابل التنازل عن حصصنا لهم”.
رفضت “سحر” هذا العرض الذي تقدم به أشقائها، كونه يلغي حقها الشرعي ويتنافى مع ما أقرّه الشرع، فهي تريد حصتها كاملة بلا زيادةٍ ولا نقصان، فأجابها شقيقها: “الميراث للرجال، ونحن نريد أن نعطيكن صدقة منا فقط”.
ووفقًا لإحصائية ذكرتها “آمال حمد” وزيرة شؤون المرأة في مارس 2022، فإن ما نسبته 3% فقط من النساء الفلسطينيات يحصلن على ميراثهن الشرعي.
بعد وساطات وتدخلات فشلت “سحر” خلالها في الحصول على ميراثها، اضطرت للجوء إلى القضاء لتقديم شكوى ضد أشقائها، لم تكن ترغب في هذا وخشيت من النظرة المجتمعية التي تعتبر مثل هذا التصرف عيبًا وفيه مهانة للعائلة، لكنهم لم يتركوا لها مجالًا.
تضيف: “اكتشفت أن هناك إجراءات معقدة في المحاكم، تحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ وتكاليف عالية ووقفت حائرة أمام رسوم المحاكم ونفقات حصر الإرث وأتعاب المحامين، لكن استطعت تدبير بعض المال من أجل إجراءات حصر الإرث لأتمكن من معرفة ما لدينا بالضبط”.
لم يكن أمام “سحر” خيار سوى متابعة إجراءات المحاكم رغم صعوبتها، فهي وسيلتها الوحيدة للحصول على حقها الشرعي، لكنها صُدمت في يوم الجلسة حين اعتدى عليها إخوتها الثلاثة بالضرب أمام مقر المحكمة وعلى مرأى من الناس ومارسوا تعنيفها جسدياً ولفظياً مع المساس بشرفها.
تتابع: “لم يترك إخوتي وسيلة إلا واستخدموها، من شجارٍ إلى تهديدٍ بالإيذاء والضرب، وآخر ما توصلوا له هو تهديدي بأبنائي، تحوّلت حياتي إلى جحيم لمجرد أنني طالبت بميراثي لا أكثر ولا أقلّ”.
وبصوت أنكهته المعاناة قالت: “اضطررت في النهاية للقبول بما يشاؤون ورضيت بمبلغ الترضية، لأني لا أريد إدخال عائلتي في مشاكل أكثر، ولا أريد الأذى لأبنائي من أخوالهم، عملت بمبدأ عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”.
ويعتبر ذلك تحايل على أحكام الميراث ولا يجوز لأي شخص تغيير أحكام الشريعة الإسلامية المنصوص عليها في نص الاحكام القانونية الشرعية والذي يقتضي بتمتع الورثة ذكوراً واناثاً بالتركة بحسب الحالات، حيث يُعيب المجتمع العربي والفلسطيني مطالبة المرأة بحقها الشرعي في الميراث فقط لأن العادات والتقاليد تحكم المجتمع بشكل سليط وتتغول على القانون الوضعي والشرعي في حالات كثيرة.
وينتج عن ذلك تفكك للنسيج الأُسري وانتشار للنزاع والبغضاء الذي يصل أحياناً الى مستوى الجريمة المجتمعية بحق الأبناء سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، في الغالب يتسلط الذكور على النساء وتخجل النساء من المطالبة بالحقوق خوفاً من تعرضهن للعزلة والتحقير ومن ثم الحرمان من باقي الحقوق الإنسانية والتي تصل الى حد اعلان البراءة منهن، وتفتقر فلسطين الى القوانين التي تنص على تجريم وعقوبة من يحرم النساء من حقوقهن الشرعية المتعلقة بالميراث وهو ما يسمح للذكور باتباع العادات والتقاليد والتغول على حقوق المرأة الشرعية في معظم القضايا المتعلقة بحقوقهن سواء كانت في المواريث أو الطلاق والنفقة وغيرها، قد يصل المجتمع الفلسطيني الى حالة من انعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المرتبطة بالنساء الفلسطينيات.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.