الحضانة.. طعنة في قلوب الأمهات المنفصلات بغزة

“طرقت أبواب جميع المؤسسات الحكومية ومراكز الشرطة للحصول على حضانة أطفالي منذ عام 2019، لكن الأبواب أُغلقت بسبب نفوذ أحد أقارب طليقي وعلاقاته الواسعة التي حالت دون حصولي على حقي في حضانتهم”، هذا ما تقوله حنين “31 عامًا”.

بدأت معاناة حنين (اسم مستعار) منذ عام 2017 حين تنازلت عن كافة حقوقها الشرعية من أجل الحصول على الطلاق والخلاص من زوجها الذي كان يمارس العنف اللفظي والجسدي بحقها، لتبدأ بعدها معركةً جديدةً للحصول على حضانة طفليها وبعد صولاتٍ وجولاتٍ وتدخلاتٍ من لجان الإصلاح، وصلت إلى طريقٍ مسدود فلجأت للقضاء كحق مدني يضمن لها عودة حقوقها الشرعية.

تقول حنين لمركز الإعلام المجتمعي: “أشعر بالحسرة لأنني لم أستطع الوفاء بوعدي لأطفالي وهم دون 8 سنوات، والبقاء معهم طول العمر، حصلت على قرارٍ من المحكمة الشرعية بمدينة غزة بحضانتهم، لكن جهات التنفيذ لا تستجيب وتماطل لتبقي هذه العقدة التي تحطّم حلمي باحتضان أطفالي ولم يبقى امامي سوى مشاهدتهم لمرة واحدة في نهاية كل اسبوع”، وهذا يمثل انتهاكا صارخاً لجهات متنفذه وظيفتها الأساسية هي إنفاذ القانون وأحكام السلطات القضائية.

والدتِك لا تصلح أمًا

“خلي المحاكم ترجّعلك بنتك”، هكذا هُددت أحلام من طليقها عندما لجأت للقضاء حتى تتمكن من رؤية طفلتها، مستغلًا بطء إجراءات التقاضي، والطعن والاستئناف والتخلف عن الحضور، والتراخي في تنفيذ الأحكام من قبل الشرطة القضائية في إرجاع ابنتها لحضنها.

واقع أحلام “26 عامًا” التي تعمل في صالونٍ للتجميل لا يختلف كثيرًا عن سابقتها حنين، فهي تعاني عدم تمكنها من احتضان طفلتها، وطليقها دائم الادعاء أنها لا تصلح أمّا.

تروي أحلام (اسم مستعار) قصتها: “تزوجت ابن عمي بعد قصة حب وبعد الزواج اختلف كليًا، كنت أتعرض للتعنيف الجسدي واللفظي، لم أتحمل هذا الوضع، فعدت إلى بيت أهلي الذي خرجت منه عروسًا، لكن هذه المرة معلّقة ومهضومة الحقوق، تقدمت بدعوى تفريق شقاقٍ ونزاعٍ عبر إحدى المؤسسات النسوية، طلبت الطلاق فحرمني من طفلتي “لينا” ابنة الثلاثة أعوام، ومنعني حتى من سماع صوتها أو رؤيتها”.

لم تتمالك أحلام نفسها، فغلبتها الدموع وهي تكمل: “مع بدء جائحة كورونا في العام 2020 توقّف عمل المحاكم كليًا وأصبحت أشاهد طفلتي عبر الشاشة من داخل إحدى المؤسسات المجتمعية دون أن أحضنها، وما زلت أعاني للحصول على حضانتها بعد حصولي على قرارٍ من المحكمة، إذ يبقى التنفيذ وهو في حالة تراخي من قبل الشرطة القضائية التي لا تتردد في التذرّع بالحجج مرة لا يوجد سولار ومرة طفلتي ليست في البيت وفي النهاية أنا محرومة منها”.

وهو ما يشكل إنهاك من قبل الجهات التنفيذية للأحكام الصادرة عن السلطة القضائية بشأن القضايا المتعلقة بحقوق النساء الشرعية المكفولة بالقانون.

قوانين بحاجة للمراجعة

وتستمد قوانين الحضانة المطبّقة في فلسطين أحكامها من الشريعة الإسلامية ومن القانون العثماني الصادر منذ العام 1917، والذي تفرع عنه قانون الأحوال الشخصية، حيث تكمن المشكلة في تطبيق القوانين السائدة، مع العلم أن القانون المطبّق في الضفة الغربية مختلف عن قطاع غزة الذي يحتكم لقانون الأحوال الشخصية المصري وقانون العائلة لعام 1959 وهناك إشكالية في عدم توحيد القانون الفلسطيني في كلا المحافظات الشمالية والجنوبية والذي بحاجة الى التطوير لتواكب مع إشكاليات العصر الذي نعيش فيه.

وتنص المادة “118” من قانون حقوق العائلة في حضانة الأبناء على أن يأذن القاضي بحضانة النساء المطلقات للصغير بعد سبع سنوات الى تسع في حين تم رفع سن الحضانة للام الأرملة الة 18 سنة.

وقانون الأحوال الشخصية الأردني للعام 1976 فرق بين مدة انتهاء الحضانة إذا كانت لغير الأم وفي حال كانت للأم، حيث نصت المادة “161” على انه تنتهي حضانة غير الأم للصغير اذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة أما المادة “162” من نفس القانون فقد نصت على تمديد حضانة الام التي كرست نفسها لتربية أبنائها حتى البلوغ دون أن يحدد سن البلوغ ونصت المادة “495” على أن بلوغ الغلام بالاحتلام وبلوغ البنت بالحيض فإن لم تظهر هذه العلامات يحكم ببلوغهما إذا بلغا سن الخامسة عشر.

كما وحددت قوانين الأحوال الشخصية انتهاء فترة حضانة الأم لأطفالها بسبعة أعوامٍ للذكور وتسعةٍ للإناث، في حين يعطي قانون حقوق العائلة للقاضي الإذن باستمرار حضانة النساء لأطفالهن لعامين آخرين، وذلك وفقاً لما تقتضيه المصلحة الفُضلى للطفل، بينما تطالب النساء برفع سن الحضانة.

المحامية الشرعية في “جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل” مها العجلة، تقول لمركز الاعلام المجتمعي: “إن القوانين والتعميمات المطبّقة أمام المحاكم الشرعية في قطاع غزة تنطوي على تمييزٍ سلبي ضد المرأة في مسألة الحضانة، منها إسقاط الحضانة عن الأم تلقائيًا إذا تزوجت من غير محرمٍ للصغير، بينما لا تُسقطها عن الزوج إذا تزوج بأخرى”.

تضيف: “القانون يُفرّق في الشروط التي يجب توافرها في الأم الحاضنة عن الرجل الحاضن، بينما لا تُراعي أحكام النفقة المصلحة الفُضلى للطفل ببقائه في المستوى الاقتصادي والاجتماعي نفسه الذي كان يعيش فيه لدى أسرته قبل الانفصال”.

وتشير إلى أن غالبية قضايا النفقة يُفضل فيها الأزواج السجن ثلاثة أشهرٍ على دفع النفقة بذريعة سوء الوضع الاقتصادي، وعدم قدرتهم على توفير تكلفة النفقة التي تقرها المحكمة للطفل والأم الحاضنة”.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى