زواج القاصرات .. وصفة بطيئة لتدمير المجتمع

هديل الغرباوي

لا يزال زواج القاصرات ينخر في أساس المجتمع رغم كثرة الحملات المنظمة للتوعية بمخاطره على الفرد والمجتمع، فالتغيير يجب أن يكون نابعاً من المجتمع نفسه، ونفض التقاليد والعادات التي أثبتت أنها هادمة للمجتمع لا بانية له.

الأنثى في المجتمع الفلسطيني لا تستطيع قيادة السيارة لأنها دون السنّ القانونية (17,5 عاماً)، لكن يُمكنها دخول عُش الزوجية وفقاً للقانون الفلسطيني، وهذا يكشف ازدواجية التعامل مع القاصر فهل هي صغيرة على قيادة السيارة، لكنها كبيرة بما يكفي لتُزوج وتقود أسرة؟!.

تعاني الإناث من التمييز والعنف المبني على النوع الاجتماعي حتى قبل ولادتهن في بعض الأحيان، فبعض الأطباء يترددون في الإفصاح عن نوع الجنين إذا كان أنثى، ويبدأ من حينه مسلسل التمييز ويصل الأمر بتزويج الفتاة قبل أن تصل سن 18 عاماً، تحت ذرائع كالحماية والستر، وتدخل بعدها الفتاة في دوامة العنف الممارس ضدها من قبل الزوج وعائلته، من أعمال منزلية وتحمل مسؤوليات كبيرة، ولو اشتكت سوء المعاملة أو العنف يتم اتهامها بصغر السن والجهل.

أبصمي .. مبروك

سمر من جباليا شمال قطاع غزة، واحدة من الفتيات القاصرات اللاتي تزوجت بعمر (15 عاماً)، تقول: “كنت في المرحلة الإعدادية، أذهب مع صديقاتي للمدرسة، أتعلم وأمرح، إلى أن تقدم لخطبتي أحد أبناء جيراننا، وما أن سمع ابن عمي هذا الخبر، توجه لأبي طالباً يدي، لم يأخذ أحد رأيي، ولم أكن أفهم بموضوع الزواج، تفاجأت بأخوتي وأبي يباركوا لي ويخبروني بأن أتجهز لأن المأذون في الطريق، كل ما أتذكره أن المأذون قال لي أبصمي هنا، لأني لم أكن أعرف ما هو التوقيع”.

تضيف سمر ” أختي قالت لي حينها ستتركين المدرسة، تفاجأت لم أكن أعلم بأن زواجي يعني تركي للمدرسة وصديقاتي، وبعد يومين أخبرني أبي أن موعد الزفاف بعد شهرين، وكنت وقتها أجهز نفسي للامتحانات النهائية بالمدرسة، ولكن انشغالي مع والدتي بشراء جهاز العروس أثر سلباً على تحضيري للامتحانات”.

تتابع سمر “كنت اندهش عند شرائها الملابس المتعرية وقمصان النوم والملابس القصيرة، وأقول لها كيف سأرتدي هذه الملابس، كانت تردد دائما بكرة بتتزوجي وبتعرفي”.

قبل أيام من ليلة الزفاف، توكلت الكوافيرة الخمسينية أم وائل، بتجهيز العروس سمر، حيث تأتي يومياً بأدواتها التجميلية لتزيين العروس، وتحضيرها لـ”ليلة العمر”، في طقوس خاصة لا تزال بعض العائلات الفلسطينية تمارسها، توضح سمر أن أم وائل عندما كانت تزيل شعر جسدها كانت تصرخ ألماً، وتحاول الهرب منها، وفي اليوم الذي يسبق يوم الزفاف جاءت لتزينها لليلة الحنة، وفي يوم الزفاف أتت لتزينها لليلة العمر.

تستذكر سمر وهي تحبس دمعتها، لم أكن أدرك ما يجري حولي، فقط أنفذ تعليمات أؤمر بها، “وبعد الزفاف لبست عباءتي فوق البدلة البيضاء، قلت لوالدتي يلا نروح ع البيت، ضحكت أمي وقالت لي اليوم لك بيت زوج ستذهبين معه، وكان هذا البيت عبارة عن غرفة في بيت عمي، حيث أغلق ابني عمي والذي الان أصبح زوجي باب الغرفة، ومعها ضاق صدري خوفاً، وأمضيت ليلتي الأولى في غرفة الزوجية بكاء وتوسلات وآلام وتلك الآلام تحولت لاحقاً لمشاكل صحية”.

سمر التي أجهشت بالبكاء تقول: “بعد شهرين وجدت نفسي أنزف، أخذتني حماتي للعيادة الطبية، وبعد الكشف قالت الطبيبة أني أجهضت بسبب عدم اكتمال نمو الجهاز التناسلي، وأنني لا زلت صغيرة على الحمل، ولكن بعد أشهر قليلة تكرر معي ذات الشيء، وبعد ذلك أكرمني الله بثلاث أطفال أنجبتهم بعمليات قيصرية، مما أنهك جسدي ونفسيتي، وعانيت كثيراً في التعامل مع أطفالي فلم أكن أعرف كيفية التعامل السليم مع المواليد الجدد، بمعنى آخر كيف لطفلة أن تعتني بأطفال؟!”.

عنف نفسي

أما ابتسام فتقول: “تزوجت وأنا ابنة 17 عاماً، ولم أكن أفهم بأن الحياة الزوجية بهذا الشكل من المسؤولية ،كان كل تفكيري بأنها بدلة بيضاء وفرح وامتلاك الإكسسورات والمصاغ الذهبي، وحب واهتمام وسعادة، إلى أن تزوجت، ووجدت الحياة الزوجية مختلفة تماماً عن ما كنت أعتقده، وتفاجأت بالواقع فزوجي كان مزارعاً مع والده ولا يملك الوقت والوعي لما كنت أحلم به”.

تضيف ابتسام ” لست وحدي من رسم صورة جميلة للزواج بل كل زميلاتي بالمدرسة، والواقع أن الزواج مسؤوليات ثقيلة وأعباء، وفي نهاية المطاف بت أشعر أني جارية للعمل المنزلي نهاراً والمتعة لزوجي ليلاً”.

تتابع ابتسام حديثها دامعة “تحولت حياتي إلى إرضاء الزوج وأهله، وكنت دائماً أقف على شباك غرفتي وأجد زميلاتي يذهبون للمدرسة وأنا حبيسة بيتي، تمنيت لو أنني لم أتزوج في هذا العمر، فقدت البهجة والسعادة والتعليم، ومع إنجابي 4 أطفال، دخلت دوامة كبيرة من المسؤولية، وصحتي باتت في انحدار، فكان يجب علي تلبية متطلبات بيتي وبيت أهل زوجي، والوقوف ساعات طويلة داخل المطبخ وفي تنظيف البيتين، وزادت معاناتي النفسية عندما وجدت نفسي غير قادرة على تربية أطفالي وتغذيتهم ومتابعة دراستهم”.

خطر جسدي ونفسي

أخصائية الطب النفسي والصحة العامة واستشارية في الصحة الإنجابية رحمة التركي تقول: “هناك تبعات صحية ونفسية خطيرة مترتبة على زواج الأطفال، وتكون أشد عنفاً على الفتيات، وتبدأ المشاكل الصحية في الكثير من الأحيان في ليلة الزفاف بصورة نزيف أو تهتك في الجهاز التناسلي للفتاة، كما أن الحمل في سن مبكر يضعف جسم الفتاة، ويسبب لها نقصاً في عناصر هامة مثل الكالسيوم، كذلك تزيد احتمالات الولادة القيصرية والولادة المبكرة، وعدم القدرة على الإرضاع، ويكون أطفال هؤلاء الفتيات أكثر عرضة للإصابة ببعض العيوب الخلقية”.

وتضيف: “هنالك آثار اجتماعية للزواج المبكر، إذ تتوقف الفتيات عن الدراسة، ولا يتوافر لديهن أي دخل مادي ولا تمكين اجتماعي، فنرى فتاةً صغيرة تواجه حياة جديدة يجب عليها التعامل معها بكل جدية ومسؤولية، وليس معها ما يؤهلها من خبرة اجتماعية أو مهارات، ما يجعلها أكثر عرضة للعنف المنزلي، لأن الزوج في الكثير من الأحيان يراها طفلة ويرغب في أن يربّيها على يديه، على ما يراه صحيحاً ومناسباً”.

يذكر بأن عمر أكثر من 80% من القاصرات يبدين عدم رغبتهن في ممارسة الجنس، ويتعرضن لعلاقة قسرية تسبب لهن مشاكل صحية ونفسية، فيصبح الجنس لديهن مرتبط بالألم والعذاب.

الإخصائية الاجتماعية من مركز صحة المرأة التابع لجمعية الهلال الأحمر، فتحية الشيخ، تقول :”من الطبيعي أن ينشأ جيل من الأطفال في مثل هذه البيئة غير مهيئين علمياً وصحياً وثقافياً، لأنه الأم طفلة، ولم تعلم ما معنى المسؤولية، وأجبرت على الزواج وهي لم تنضج فكرياً وجسديا”.

قوانين قاصرة

في الضفة الغربية، تم رفع سن الزواج عام 2019، وهذا جعل مَن يودّ تزويج ابنته قبل السن القانوني، يتهافت على المحاكم الشرعية قبل إقرار القانون بأيام، وسُجّل عدد كبير من حالات عقد القران، ورغم صدور قرار بقانون يرفع سن الزواج إلى 18 عاماً، إلا أنه أعطيت مساحة للاستثناءات بتقدير القاضي، وهذا أتاح فرصة أن يكون الاستثناء هو القاعدة.

أما في قطاع غزة، فتُطبق المحاكم قانون حقوق العائلة رقم (303) المصري للعام 1954، والذي يحدد سن الزواج بـ18 سنة للذكر، و17 للأنثى، وبدوره يشرّع للاستثناء إذ يسمح للقاضي بتزويج الفتاة منذ سن التاسعة والفتى منذ سن الـ12 وذلك بموجب المواد ” 6,7,8″ من القانون المذكور.

الدعوات للحد من هذه الظاهرة يكون وفق ما يرى مختصون بحملات توعية للفتيات والأهل، أو حملات ضغط ومناصرة لتعديل قوانين كما حصل في رفع سن الزواج، علاوةً عن دعم التعليم وتوفير منح دراسية، أو إصدار دراسات تحليلية، واستهداف الإعلام لإبراز هذه القضية من خلال البرامج والأفلام، وأخيراً حماية الأطفال من العنف والتمييز من خلال شبكة حماية الطفولة.

لكن السؤال يبقى تحت أي قانون ستعتمد النيابة العامة بحق مرتكبي جرائم العنف الأسرى، فليس في فلسطين أي قانون خاص يحمي النساء، وبالعادة، تحتكم النيابة والمحاكم في قطاع غزة إلى قانون العقوبات لعام 1936، الذي يعتقد الباحثون في الشأن النسوي الحقوقي أنه بات غير مناسب.

وتقول المحامية في مركز شؤون المرأة، هنادي عكيلة: “إن القانون يفتقر إلى نصوص تحمي المرأة من العنف، إذ لا يوجد نص واضح يعالج تلك الظاهرة، وقانون العقوبات المطبق في قطاع غزة هو منذ عام 1936 فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وبات لا يوفر حماية حقيقية للنساء ضحايا العنف والناجيات منه”.

وتضيف: “فعلياً، يوجد مشروع قرار بقانون صادر عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ينص على حماية الأسرة ومعاقبة مرتكبي العنف، إلا أنه لم يقر بعد، وهناك مسودة (قانون حماية الأسرة الفلسطينية) وضعت عقوبات بحق منتهكي حقوق النساء.

وكيل وزارة التنمية الاجتماعية برام الله، داوود الديك يقول: “إن قانون حماية الأسرة من العنف والذي يتم العمل على صياغته وتجهيزه، جاء لمحاسبة الجناة، وإعادة تأهيلهم ودمج الضحايا والجناة، والوقاية ومنع العنف من خلال سياسات وبرامج للحد من انتشاره”.

ويبين الديك أن القانون يحمي الأسرة من العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي، والتمييز والتزويج القسري، ويدعو لتشكيل وحدة حماية الأسرة في الشرطة، ونيابة للأسرة، وقضاء مختص، ويمنع إسقاط الحق الشخصي حتى لا يفلت مرتكب العنف من العقوبة وعلى أثره تزيد الحالات.

ويوضح الديك، “أنه جرى استبدال بعقوبة الحبس بالخدمة المجتمعية، حتى لا يخرج مرتكب العنف من السجن وقد ازداد عنفاً، باستثناء مرتكبي جرائم القتل، التي جرى تشديد عقوبتها بمقدار النصف حتى لا يفلت المجرم”.

من جانبها تؤكد مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة، هبة الزيان، “أنهم رصدوا ارتفاعاً لوتيرة العنف ضد النساء في القطاع خلال الأشهر الماضية، ويأتي ذلك منسجماً مع ارتفاع هذه الظاهرة خلال العام المنصرم، وقد تكون الأسباب في بقاء الأسر التي تعاني مشكلات اقتصادية وظروف الاكتظاظ داخل المنازل جراء انتشار فيروس كورونا”.

وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نحو 35 امرأة قتلت العام الماضي، و50% من المتزوجات في قطاع غزة تعرضن للعنف الجسدي خلال العام الحالي، ونحو 40% منهم مارَسَ أزواجهن ضدهن العنف الجنسي، وأكثر من 90% تعنفن لفظياً، وفضلت 61% من النساء اللواتي تعرضن للعنف السكوت، و24% منهن لجأن إلى بيت الأهل، و1% منهم لجأن إلى الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على مساعدة، فيما تعرضت 378 امرأة للعنف المبني على النوع الاجتماعي (التمييز بين ذكر وأنثى).

تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى