بعد أن تعرضت لحروق شديدة

تكية العدس منعت منى من إرضاع صغيرها

غزة- هيا بشبش:

“فكرت بالذهاب إلى بلدتي في المنطقة التي نزحنا منها لأنهي حياتي وأرتاح من آلام الحروق؛ ووجعي على طفلي الذي لا أستطيع إرضاعه أو توفير الحليب له”.

بالدموع استهلت منى أبو ليلة (28 عامًا) حديثها وهي تروي معاناتها مع حرق أصابها بسبب تكية عدس، حاولت من خلالها توفير قدرٍ من الطعام لعائلتها، لكن انسكب العدس على صدرها وأصيبت بحروقٍ شديدة!

تعيش منى مع أبنائها السبعة داخل خيمةٍ صغيرة شديدة الحرارة على شاطئ بحر غزة، تتساءل وهي تفتح علبة حليب لصغيرها رامز (شهران) لا تحتوي سوى على ملعقتين فقط: “كيف سينمو هذا الرضيع بدون حليب؟ وفير الحليب ضرب من الخيال وحرب أخرى تضاف لمعاناتنا”.

كانت منى تعيش في منطقة العطاطرة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وأُجبرت على النزوح إلى مدينة دير البلح وسط القطاع منذ الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي بدأت يوم 7 أكتوبر 2023م.

لجأت منى للبحث عن الطعام لأطفالِها بعدما أُصيب زوجها منذ الأسبوع الأول لنزوحهم، وتم تركيب بلاتين خارجي له، وأصبحت هي المعيل الوحيد، “حتى بعد عودتي للشمال في يناير 2025م، كنت أبحث عن الطعام داخل التكيات، توقفت في أسبوع ولادتي فقط، وعدت بعدها”.

“صوت الأواني وصرخات الجائعين”، هذا ما استقبل السيدة وهي التي أزالت غرز عمليتها القيصرية حديثًا، تضيف: “كانت المرة الأصعب، رغم الألم الشديد وضعت مولودي برعاية حماتي التي احتضنت أطفالي طيلة الأسبوع، في محاولة لتوفير الطعام”.

تشهق وتكمل: “فجأة شعرت بسخونةٍ شديدة وألم يدبُ في أوصالي، خرجت من جلبة الأواني لأسعف نفسي بعدما انزلق الوعاء من أحدهم فسقط ما بدخله من شوربة عدس على صدري”.

تسقط دموعها هي تكمل: “صرخة ألم أوقفت عملية التوزيع، رغم الوجع ناولت ابني البكر الوعاء، وطلبت منه العودة للخيمة وإطعام إخوته والعناية بهم، بعدها توجهت إلى المستشفى”.

تعرضت منى للحرق من الدرجة الثالثة وهو الأكثر شدّة، قُدمت لها الرعاية الطبية لشهرٍ، ثم خرجت من المستشفى بعدما عالجت حرقها جزئيًا فقط، فضّل الأطباءُ إكمال علاجها خارج المستشفى بسبب وجود أعداد كبيرة من المرضى وضعف القدرة السريرية للمستشفى، مع الكشف المستمر كون الحرق في الصدر.

أجبر الحرق منى على التوقف عن الرضاعة الطبيعية، تقول: “كنت أشعر بألم لم أتحمله، ومع وجود الضمادات والمراهم الطبية انخفضت رغبة طفلي بالرضاعة، هنا لم أستطع تحمّل المشكلة وراودني التفكير بالانتحار، بالذهاب إلى منطقة سكني المصنفة خطرة”.

وفر الطاقم المتخصص في رعاية الأمهات الحليب للرضيع رامز، لكن الحليب كان فقط في المرحلة الأولى من العلاج، تكمل: “عدت للدائرة الأولى، كيف سأتمكن من توفير الحليب للطفل، خاصة وأنا أعاني من فقر شديد ولا أستطيعُ تأمين طعامٍ لأطفالي، فكيف أشتري علبة حليب وصل سعرها نحو 100$؟”.

ويخالف ما تعرضت له منى اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت في مادتها (89) على أن تصرف للحوامل والمرضعات والأطفال دون سن 15 أغذية إضافية تتناسب مع احتياجات أجسامهم، كما نصت مادتها (23) على ضرورة السماح بمرور الأغذية وأي رسالات إنسانية من ملابس ومقويات وأدوية.

كانت منى قد وضعت مولودة خلال الشهر الأول للحرب، تصف: “انتظرت أن يرزقني الله بأنثى، ولدتها في 7 أكتوبر وكانت غاية في الجمال، سرقتها الحرب من حضني، كنا قد نزحنا إلى مدينة دير البلح في خيمةٍ قرب شارع صلاح الدين شرق الدير، وعندما أطلق جيش الاحتلال قنابل الفوسفور اختنقت واستشهدت، فنزحنا إلى غرب الدير”.

أما طفلها رامز وهو الثاني خلال الحرب، فقد حملت به على أمل أن تُرزق بفتاة، حاولت إنقاذ حملها من ويلات الحرب، تقول: “حاولت تناول المكملات الغذائية بشكل دائم، لم يكن طعامي خلال الحرب صحيًا أو مثاليًا لأمٍ حامل، ولكن لم يصل القطاع إلى الحد الذي بلغناه الآن”.

يضطر أبناء منى للذهاب إلى نقاط توزيع المساعدات الأمريكية المعروفة باسم (مصائد الموت)، ليجمعوا ما يستطيعوا من حبوب ومعكرونة تسقط من أيدي الشبان، ويعودوا فرحين بما جمعوا خاصة لو كان أكثر من كيلو.

تنظر منى بحزنٍ إليهم وتختم: “هذه الأماكن خطيرة لكن الجوع كافر والعوز، ومع عدم وجود معيل أجُبر على الموافقة على ذهابهم، يفرحوا بما يجمعوا لأنهم يعلموا أننا لن نجوع هذا اليوم”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى