في غزة… المستأجرون ضحايا الغلاء وغياب القانون
في غزة… المستأجرون ضحايا الغلاء وغياب القانون
غزة، أماني شحادة – يعيش سكان قطاع غزة في ظل أزمة سكن خانقة، تتفاقم بفعل الارتفاع الحاد في أسعار العقارات والإيجارات، ما يزيد من معاناة المواطنين المنهكين ماليًا، الذين باتوا محاصرين في ظروف إنسانية صعبة، دون توفر حلول بديلة أو تدخلات رسمية، وسط غياب أفق لإعادة الإعمار أو حتى تعويضات عاجلة.
تُظهر الأزمة وجهها القاسي على الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما النساء المعيلات، اللواتي يجدن أنفسهن عرضة للتشريد في ظل انعدام الحماية القانونية وغياب المؤسسات الرسمية. فقد باتت الممارسات الجائرة من بعض المؤجرين واقعًا يوميًا، من خلال الطرد القسري أو رفض العودة للعقارات، دون اعتبار للظروف القاهرة التي يمر بها القطاع.
المواطنة “أ. ي” (42 عامًا) من الزوايدة وسط قطاع غزة، وجدت نفسها وعائلتها المكوّنة من 6 أفراد بلا مأوى، بعد أن أُجبروا على مغادرة منزل استأجروه لمدة 7 سنوات بسبب تراكم الإيجارات. تقول: “كنا نظن أن الظروف القاهرة تحمينا، لكن المؤجر هدّد زوجي عبر الهاتف قائلاً: ‘سنرميكم أنت وعائلتك في الشارع دون رحمة’، ولم يُجدِ التوسّط نفعًا”.
تتابع: “بحثت عن منزل بديل، لكنني وجدت شققًا مدمرة تعرض للإيجار بمبالغ خيالية، رغم أنها غير صالحة للسكن، بعضها بلا حمام أو مطبخ، ويطلبون مقابلها 400 إلى 500 دولار”.
مع خروج الأسرة من المنزل، اضطرت “أ. ي” للانفصال مؤقتًا عن زوجها ووالديه، لتقيم هي وبناتها في مكان مختلف، ما ضاعف الأعباء النفسية والاجتماعية على العائلة. وتقول بأسى: “لم نجد من يدعمنا أو حتى يستمع لمشكلتنا، وغادرنا المنزل خوفًا من التهديدات، بينما تراكمت علينا الديون”. لاحقًا، تبيّن للعائلة أن المؤجر كان يخطط لتأجير المنزل لعائلة أخرى، مستغلًا أزمة النزوح والطلب المتزايد على السكن.
ضياع الحقوق وسط غياب القانون
المحامي محمود الشرقاوي، أوضح أن الأزمات الإيجارية في غزة تعود إلى غياب حكم القانون وتعطل أجهزة العدالة، قائلًا: “نعيش فراغًا تشريعيًا منذ عام 2007، ما أدى لانقسام في القوانين بين غزة والضفة، وغياب المجلس التشريعي حال دون إقرار قوانين تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر”.ويضيف أن الفوضى القانونية تشجع على استغلال المستأجرين، لا سيما في ظل ضعف الجهات الرقابية، وغياب آلية واضحة لحماية الفئات الضعيفة.
محاولات للحلول العشائرية
المواطنة “د. أ” من النصيرات، تعيش مع أسرتها المكوّنة من 10 أفراد على مصدر دخل بسيط، لم يعد كافيًا لتغطية متطلبات الحياة. ومع توقفهم عن دفع الإيجار خلال العدوان الإسرائيلي، عاد صاحب المنزل مطالبًا بالإخلاء الفوري.
تروي “د. أ” أن والدها حاول التفاوض مع المالك ليدفع إيجار شهر الهدنة وشهر من الحرب، لكن الأخير رفض، ما أدى إلى مشادة كلامية بين الطرفين. وعندما فشلت الشرطة في حل النزاع، لجأت العائلة إلى لجنة إصلاح عشائرية، أسفرت عن اتفاق يمنحهم مهلة شهرين لإخلاء المنزل.
تقول: “هذا الحل خفف حدة التوتر لكنه زاد من أعبائنا. أنا مسؤولة عن إخوتي، ولا أجد مكانًا مناسبًا يناسب دخلنا المحدود، خاصة أن أخي مريض ويحتاج إلى رعاية صحية مستمرة”.
الشاب “ح. ش” من حي تل الهوا في غزة، استأجر شقة كمكتب تجاري في 2023 مقابل 2400 دولار سنويًا. ومع اندلاع الحرب في أكتوبر، اضطر للنزوح، وعاد لاحقًا ليجد مكتبه متضررًا من القصف.
يقول: “عند محاولتي تجديد العقد، طلب المؤجر مبلغ 8000 دولار، ثم خفّضه إلى 5000 دولار، وطلب مني دفع إيجار أشهر النزوح، وحتى تكلفة إصلاح الأضرار! رغم أنني مستأجر، ولا يحق لي المطالبة بالتعويض”.
الوساطة القانونية كبديل للقضاء
المحامي والوسيط القانوني محمود عفانة، يؤكد أن النزاعات الإيجارية باتت من أكثر القضايا شيوعًا، ويضيف: “المستأجر هو الطرف الأضعف، والمؤجر يستغل غياب القانون لفرض شروط مجحفة”.
ويشير إلى أن الوساطة أصبحت ضرورة، إذ توفر بيئة آمنة للحوار، وتُسهم في تقليل التصعيد، من خلال توثيق الاتفاقات بشكل مكتوب. كما يدعو إلى دعم المبادرات المجتمعية والدولية التي تساند المتضررين، على غرار ما قامت به وكالة “أونروا” في دفع بدلات إيجار خلال سنوات العدوان الماضية.
ويرى الشرقاوي أن قانون الإيجارات الفلسطيني رقم (5) لعام 2013 لا يوفّر التوازن الكافي بين المؤجر والمستأجر، ويؤكد أن ظروف “القوة القاهرة” تعفي المستأجر من دفع الإيجار إذا تعذر عليه الانتفاع بالعقار.
ويختم بقوله: “نحتاج إلى تعديل القانون بما يضمن العدالة لكلا الطرفين، وإنشاء مراكز قانونية مؤقتة تحمي حقوق المستأجرين في أوقات الأزمات، خاصة في ظل تعطل القضاء الرسمي.