مجازر عائلة أبو نعمة … مَن يربت على قلب علاء!

مجازر عائلة أبو نعمة … مَن يربت على قلب علاء!

غزة – فدوى عبد الله

“تأخذني الذكرى لما قبل السابع من أكتوبر بأيام، حين اجتمعت العائلة في مسجد الحي لإشهار خطوبة أختي الصغيرة، وينتظر أعمامي وأبناءهم إكمال فرحة العائلة بزفافي، حيث كنّا على موعدٍ قريب من عودة أبي من الغربة، ولكن شاءت الأقدار أن يرحلوا جميعًا، وحتى المسجد الذي جمعنا تدمّر”.

بهذه الكلمات تحدث علاء أبو نعمة (29 عامًا) عمّا حلّ بعائلته التي فقدت نحو 100 إنسانٍ شهيدًا، وعايش مرارًا تجربة ومعاناة النزوح داخل وخارج مدينة غزة، وويلات الحرب التي قلبت حياته نتيجة الصدمات المتتالية!

“خيطٌ رفيع يفصل بين الحياة والموت”، هكذا وصف علاء قسوة المشهد حين تعرّض منزلٌ مجاور لبيتهم في حي التفاح وسط مدينة غزة للقصف، فاستيقظ وسط دخانٍ أسود كثيف أعاق قدرته على الرؤية، ليكتشف أن أمه وأخواته فاقدات للوعي، هنا نزحت العائلة إلى مدينة النصيرات وسط قطاع غزة مع اليوم السابع للحرب، ولكن عادوا إلى غزة بسبب بلاغات جيش الاحتلال لإخلاء المنطقة التي نزحوا إليها.

يتابع: “كان قرارًا صعبًا، لكن لم يكن الفرق كبيرًا، فالأمان مفقود في كل مكان، وبهذا افترقنا عن أختي التي تعملُ طبيبةً في مستشفى العودة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة”.

وتنصّ المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، على حظر النقل القسري للمدنيين، كما تحظر الاتفاقية ذاتها الاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم.

مع بدء العدوان البري على مدينة غزة، كانت صدمة علاء الأولى باستشهاد ابن عمه وابنائه السبعة، الذين كانوا يتجهّزون للنزوح إلى جنوب القطاع، عملًا بتحذيرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسرعان ما تلقّى الصدمة الثانية بعد عشرين يومًا؛ باستشهاد عمه واثنين من أبنائه وبناته المتزوجات وعائلاتهم، 15 فردًا ومعهم 20 من النازحين إلى بيتهم.

يوم 12 ديسمبر، اجتاحت الدبابات الإسرائيلية حي التفاح وسط مدينة غزة، والتي وجهّت ضرباتها لمنازل المواطنين بهدف ترحيلهم، فلم يستطع أحدٌ الخروج من بيته او فتح نافذته بسبب انتشار المسيّرات الإسرائيلية التي تستهدف كل جسمٍ يتحرّك، يومها، بلغه خبر استشهاد ابن عمه في حي الشجاعية، ولم يمكّن من إلقاء نظرة الوداع عليه!

يتابع علاء: “أربعة أيام من الصمود داخل الحي دون طعام ولا شراب، لم نرَ خلالها النوم، خرجنا تحت القصف وضربات طيران الكواد كابتر لا نعلم أين نذهب، فلا أصدقاء لنا غرب غزة، وعند الخروج فوجئنا أن الحي خالٍ من السكّان”.

لجأت العائلة إلى بيت متضرر في منطقة خلف الجامعات غرب مدينة غزة والتي كانت تخلو من الحركة، وفي غرفة بلا أبواب ولا شبابيك وفي الشتاء القارص؛ مكثت العائلة ثلاثة عشر يومًا، ثم عادوا للمنزل بمجرد انسحاب الدبابات بشكلٍ جزئي، ليفجعوا بعد ثلاثة أيام باستهدافٍ جديد لمنزل أبناء عمهم.

يوضح: “دوّي انفجار عنيف تبعته دقاتٌ قويةٌ على باب بيتنا يبلغنا الجيران بأن المنزل المستهدف هو بيت عمي، وأن كل من بالبيت فارق الحياة، لا أعلم كيف حملتني قدماي لأقف على المشهد الذي دفنت معه كل ما تبقّى من ذكرياتي الجميلة، كنت شاهدًا على إبادة جماعية بحق أعمامي وأبنائهم وبناتهم المتزوجات، منزلٌ من أربعة طوابق أصبح ركامًا ولا أثر للأحياء داخله، والمنازل المجاورة له تدمرت”.

أكثر من سبعين شهيدًا، جمع علاء أشلاء بعضهم من الأراضي المجاورة، وباستخدام أدوات حفرٍ بسيطة، انتشل القليل ممن كانوا في الطوابق العليا، ولكن الباقي ما زالوا تحت الأنقاض، بانتظار دخول معدّات ثقيلة لانتشالهم ودفنهم.

يكبح جماح دموعه وهو يكمل: “الحرب حوّلت حياتي لجحيم، كانت لدي طموحات لعملي في مجال التصميم الجرافيكي، ليصبح عملي الآن هو البحث عن الطحين والوقوف في طوابير مياه الشرب ومياه الاستخدام المنزلي، والبحث عن الحطب، أمضي رحلة يومية قد تنتهي بالفشل ولا أستطيع ترك عائلتي ولا يوجد من يلبي احتياجاتهم غيري”.

ذهب علاء الى دوار النابلسي غرب مدينة غزة مرارًا، حيث تصل الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الغذائية لسكان شمال القطاع، ورأى الجثامين الملقاة على الأرض غارقة بالدماء، كل من يتقدّم خطوة يكون مصيره الموت، عائلة علاء تعيش على رغيفٍ واحدٍ من علف الحيوانات، ولا يستطيع المخاطرة، فإن رحل لن يبقى من يعيل أسرته.

علاء هو الشاب الوحيد في المنزل، يتحمل مسؤولية توفير كل ما تحتاجه الأسرةُ المكوّنة من والدته وشقيقاته الستة، بسبب غربة والده للعمل في الخارج، والآن المنزل تضرر وجدوله اليومي يمتد لنهارٍ كامل، قد يعود بعده بالفشل في الحصول على المياه، ليضطر إلى العودة في اليوم التالي.

يختم علاء حديثه: “الحرب دمرت كل شيء في حياتي، وأخطط للسفر حال خرجت منها حيًا، لم يعد هناك شيء قابل للحياة، الشوارع مدمرة وكذلك البيوت والشركات والجامعات، أنا خرّيج ماذا سأفعل بعد أن فقدت البلد كل شيء فيها، ولا يوجد لديّ أمل، لأعيش ويلات الحرب وقبلها الحصار والآن الوضع أكثر تعقيدًا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى