عبود…خرج لتأمين مساعدات وعاد في كفن

عبود…خرج لتأمين مساعدات وعاد في كفن

 

رفح- دعاء برهوم:

بينما تنتظر عودته من عمله في تأمين المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة من معبر رفح إلى مخازن المؤسسات الدولية، فوجئت به يعود لها محمولًا على الأكتاف!

بين صدمةِ الحدث وألم الفقد، تعيش الشابة سها العطار (30 عامًا)، مع أطفالها الثلاثة (حسني-سند- ويسرى)، حياة أخرى فرضها عليهم الواقع الجديد بعد استشهاد زوجها عبد الرحمن (33 عامًا)، يوم 6 فبراير 2024م.

تقول سها: “حياتنا أنا وعبد الرحمن كانت عادية مستقرة، سكنّا شقتنا الجديدة قبل الحرب بيوم، جهزناها بأفضل الديكورات، بعد شقاء تسع سنوات عشناها في بيتٍ مستأجر، كان عبد الرحمن يدّخر من راتبه الشهري، حتى تمكنوا من شراء شقة في مخيم يبنا وسط مدينة رفح”.

“عبود”، كما نعتته سها، كان يعمل موظفًا في الشرطة الفلسطينية، وعندما بدأت الحرب التحق في صفوف العاملين في تأمين المساعدات الإنسانية التي كانت تدخل للمنظمات الدولية، وتتعرض للسرقة من قبل عصابات السطو على المساعدات، فقد كان يؤمن بأن عمله أمانة لضمان مرور المساعدات الإنسانية ووصولها لمستحقيها.

تكمل: “كنت أخشى أن يصيبه مكروه، هو سبب سعادتي وراحتي في الدنيا، حين بدأت الحرب كنت أخشى عليه من التنقل، لكن لا يمكن منعه من خدمة الناس، فهو يبادر دومًا ويكون في الصفوف الأولى، يوم استشهاده كنت أشعر بالقلق، حين خرج صباحًا حاولت منعه لكن أبى، وأوصاني بالحفاظ على نفسي والأولاد”.

سيلٌ من الدموع انسكب على وجنتيها، وهي تتحدث كيف اعتاد عبود الاتصال بها، وإخبارها بكل ما يمر به يوميًا، إلا في يوم استشهاده، اتصل قبل القصف بساعةٍ بشقيقته وسألها عن عائلته، وطمأنته أنهم بخير، فأوصاها على أطفاله.

تتأمل صورته المعلقة على خشبة الخيمة التي ما زالت تعيش فيها بعد فقدان بيتها، وتكمل: “الساعة الثالثة عصرًا، سمعت خبر قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي سيارة تأمين المساعدات الإنسانية، أسرعت بالاتصال به لكن لا مجيب، أيقنت أنه ضمن من تم استهدافهم، صرخت بأعلى صوتي عبود استشهد عبود استشهد، حتى قبل أن يأتي أحد بالخبر، كان ما حدث فاجعة بالنسبة لي، فعناصر تأمين المساعدات أشخاص مدنيون كيف يتم استهدافهم”.

ويخالف ما تعرض له عبد الرحمن بنود اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تحظر في مادتها (3) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية للأشخاص المحميين، وخاصة القتل بجميع أشكاله.

بعد أن عاشت سها حياة مستقرة، أصبحت الآن تعيش في معركة مع الحياة والأمانة الثقيلة التي تركها عبد الرحمن، والأصعب الفراغ الذي تركه ولن يملؤه أحد، وحتى الشقة التي اشتروها قبل الحرب تم قصفها، فالظروف صعبة ومعقدة والعقبات كثيرة فوق رأس الأرملة الشابة.

يتكئ طفلها الأصغر سند (5 سنوات) على صدرِ أمِه، “لقد كان الأقرب لقلب أبيه، دائمًا يسأل عنه ويبكي، يبحث عنه في وجوه الناس لعله يجده، دائمًا يردد كلمة “بابا كان واعدني يعملي عيد ميلاد، بس أجت الحرب”، تقول سها.

تكمل: “يستيقظ سند في الليل يبحث عن حضن أبيه ولا يجده، قبل استشهاده فرحنا بالبيت الجديد، وأقمنا حفلة، وأحضر هدايا لنا جميعًا”.

نزحت سها من مدينة رفح بعد استشهاد عبد الرحمن إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تكررت عمليات النزوح خمس مرات، إلى أن استقرت في خيمةٍ داخل مخيم للنازحين بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

تبتلع حزنها وهي تكمل: “كل شيء تغيّر باستشهاده، أصبحت أقف في طابور المياه لتعبئة الجالون وحمله إلى خيمتي، ولعدم توفر الغاز أقف في طابور التكية للحصول على ما يسد رمق أطفالي من الطعام، تارة أبحث عن نقطة شحن لأتمكن من شحن هاتفي، لمعرفة الأخبار وأتواصل مع جمعيات الأيتام، كل هذا لم يكن موجودًا في حياتي قبل رحيل عبود.

ويُعدُّ ما تعرّضت له سها انتهاك من قبل الاحتلال الإسرائيلي لاتفاقية جنيف الرابعة التي ضمنت الحماية للمدنيين وممتلكاتهم وقت الحرب، كما يتنافى مع نصوص القانون الدولي وخاصة المادة (134)، والتي تنص على تلبية الاحتياجات الخاصة بالنساء المتأثرات بالنزاع المسلح في الحماية والصحة والمساعدة.

تختم سها: “حتى حين وقعوا الهدنة لم أستطع الوصول لركام منزلي في مخيم يبنا، عدت إلى منطقة البيوك شرق رفح داخل خيمة بجوار عائلة عبد الرحمن، فمخيم يبنا مصنف منطقة خطيرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى