المطلقات في قطاع غزة، و مواجهات ما بعد الطلاق.
غزة_CMC_خديجة مطر
في قطاع غزة تنتشر روايات العنف ضد المرأة، وعلى الرغم من ذلك تتردد النساء في أخذ القرار في الانفصال النهائي بسبب خوفهن من تعامل المجتمع معهن فيما بعد, فتكُنّ ضحايا العنف قبل الطلاق وبعده، وتبدأ معاناة المطلقة في بدء حياة جديدة في ظل تقليل المجتمع من امكانياتها في المضيّ قدماً، العديدات امتلكن الشجاعة والقوة وانتزعن حريتهن وحياتهن، فيما سيطر الخوف و القيود الاجتماعية على حياة أخريات.
نسرين “33 عاماً” قررت نفض الغبار عن ماضيها المرير بعد زواج دام لأكثر من سبع سنوات، رزقت خلاله بأربعة من الأطفال، وتقول “قررت أن أخطو خطوة لتحرير ذاتي من القيود، فطلبت الطلاق بداية الأمر، ووجدت حينها سلسلة من الصعوبات من قبل عائلتي خاصةً أن زوجي السابق يكون ابن عمي، لم يكن الأمر سهلاً ولكني أصريت حتى نلت ما أردت وانفصلنا”.
اصرار ونجاح
تستذكر نسرين حياتها الزوجية في بدايتها، وتقول “منذ المرحلة الأولي من زواجنا تعرضت لضرب مبرح من زوجي، وكان يمسك برأسي وشعري ويضربني بالحائط، ثم تعدت أفعاله حتى أصبح يعزلني داخل البيت، فصار البيت شبيه بالمعتقل بالنسبة لي، ومنعني من الذهاب لبيت أهلي، ومع استمرار أفعاله كنت أطلب الطلاق دائماً وكان يرفض حتى وافق في النهاية بشرط تنازلي عن كافة حقوقي”.
في بداية طلاقها واجهت نسرين العديد من العقبات والصعوبات بتضاعف مسئولياتها والتزاماتها اتجاه أبناءها، وتضيف “بعد الطلاق بدأت مرحلة جديدة في حياتي، تضاعفت المسؤوليات والالتزامات خاصةً أن أولادي في حضانتي، وطليقي ليس علي قدر من المسؤولية، والنفقة التي يدفعها لا تكفي ربع التزامات ومتطلبات الحياة”.
لم تتوقف وتتباكى نسرين على حالها بل قررت المضي في حياتها والبحث عن البدائل من أجل تربية أبنائها، وتقول “تحولت بالعزيمة والارادة من امرأة مدمرة نفسياً وفكرياً إلي امرأة عاملة، فبعد ترددي على جمعية من فترة إلى أخرىن، حصلت علي دورة في فن التجميل (كوافير)، واستطعت أن أحصل على دعم مالي من إحدي المؤسسات وافتتحت صالوني الخاص معتمدة على نفسي في مصروفي ومصروف أبنائي، واستطعت تحويل طلاقي إلى نقطة نجاح في حياتي”.
تسهيلات للذكور
مرام “24 عاماً” لا تختلف أحداث حياتها كثيراً عن سابقتها نسرين، والتي لم يستمر زواجها سوى 6 شهور فقط حتى نالت الطلاق، وتقول “تزوجت من ابن عمي زواجاً تقليدياً على حسب العادات القديمة التي تقول (ابن العم لبنت العم)، دون أن يأخذ أحد رأينا فيما نريد، أو إذا كنا نقبل أو نرفض”.
تتابع مرام الحديث عن زواجها، “بعد زواجنا واجهتنا عشرات المشاكل يومياً، حتى أنني علمت أن زوجي مجبر على الزواج مني، فلم نكن على وفاق في يوم من أيام، انتهت علاقتنا بالطلاق، وبسبب القرابة تعقدت العلاقة بين جميع أعمامي وأبي، وأصبحوا شقين، شق مع أهل طليقي وشق مع والدي”.
ولأن المجتمع دائماً لا يعيب الذكر بشيء، تضيف مرام “طليقي الآن تزوج من الفتاة التي كان يريدها من البداية دون أن يواجه أي مشاكل، ولم تتوقف حياته، وأنا لا أعلم ما سيكون مستقبل الزواج في حياتي، ولكني لم أوقف حياتي وعدت لاستكمال دراستي الجامعية، وها أنا استكمل دراسة الماجستير حالياً، وأطمح في الوصول لدرجة الدكتوراه”.
المستقبل مجهول
مثلما هناك حالات نجاح للمطلقات بعد الطلاق، هناك العديد من حالات يسيطر عليها الفشل والخوف والاحباط والألم بعد الطلاق، زينب (22 عاماً) لم توفق في استكمال دراستها بسبب الزواج الذي انتهى أيضاً بالفشل، وتقول “تزوجت بعد انتهائي من تقديم امتحانات الثانوية العامة مباشرة، ولكني لم أوفق وقتها في النتيجة رغم أنني كنت أطمح باستكمال دراستي الجامعية، بسبب انشغالي بتجهيزات فرحي”.
وتضيف زينب، “كان بيني وبين زوجي فارق 14 عام في السن فلم يكن هناك توافق فكري كبير بيننا، إضافة إلى أنه الابن الوحيد والمدلل لوالدته التي تخاف عليه، فكانت دائمة التدخل في كل صغيرة وكبيرة بيني وبين زوجي، وكانت دائماً ما تتسبب لي بالمشاكل معه الأمر الذي كان ينتهي بضربي من قبله أمام والدته”.
لم يدم زواج زينب لأكثر من عام ونصف، أنجبت خلالهم طفل وحيد، وتتابع حديثها “بعد شهرين من ولادتي لطفلي، تفاقمت المشاكل بيني وبين زوجي، حتى وصلنا إلى الطلاق، الذي خسرت فيه طفلي الوحيد، ولم أستطيع الاعتناء به كأي أم بسبب رفض والدي لحضانة طفلي، وأصبحت الآن بين نارين، نار بعد طفلي ونار القيود الواقعة عليّ من أهلي، فكل حركة محسوبة، عدا عن نظرات المجتمع تجاهي بسبب طلاقي، دون أي ملامح مشرقة للمستقبل”.
الطلاق حل
وقال المحامي الشرعي عبد الفتاح جرادة، “الطلاق هو حل الرابطة الزوجية في الحال أو المآل، ويشرع القانون حالات يجوز للزوج فيها إنهاء الزواج بإرادته المنفردة فيما فيه سلب لإرادة المرأة، فلا يمكنها إنهاء الزواج إلا في بعض حالات حددها القضاء، وأكثرها شيوعاً النزاع والشقاق، أي بمعنى وجود مشاكل مستعصية بين الزوجين يستحيل معها الاستمرار، كتعرض الزوجة للعنف الجسدي أو اللفظي أو كليهما”.
ويضيف الأستاذ جرادة، “ومن الأسباب الأخرى التي يحق للمرأة طلب الطلاق هي التفريق للهجر والضرر والتفريق للسجن، وأيضاً جنون الزوج، هو أحد أسباب الطلاق التي يحق للمرأة اللجوء للقضاء فيه وطلب الطلاق، إضافة إلى عدم إنفاق الزوج على زوجته”.
ويرجح الأستاذ جرادة، ارتفاع نسب الطلاق في فلسطين وفي الوطن العربي كافة، لسلسلة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية إضافة للخوف الذي يسيطر على الفتاة من العنوسة، خاصة في الدول العربية والإسلامية إذ يعتبر فيها تأخر سن الزواج وصمة اجتماعية تعاني منها الفتاة أكثر من الرجل، وتدفعها للقبول والارتباط بأي شاب يطرق بابها.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)