حين تعطل العدالة الرسمية… كيف يلجأ أهالي غزة للتحكيم والوساطة لحل نزاعاتهم؟
حين تعطل العدالة الرسمية…
كيف يلجأ أهالي غزة للتحكيم والوساطة لحل نزاعاتهم؟
وسط الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، لم تقتصر الانتهاكات على استهداف المنازل والبنية التحتية، بل امتدت لتغييب العدالة الرسمية ، فبات المواطنون في حيرة من أمرهم: إلى أين يتوجهون لحل نزاعاتهم اليومية؟ ومن يُنصفهم في ظل غياب المحاكم والشرطة؟
يقول المواطن (س.غ) من مخيم النصيرات وسط القطاع: “قمت بتأجير منزلي لأحد المواطنين، ومنذ بدء العدوان لم يدفع المستأجر شيقلًا واحدًا طوال 18 شهرًا، رغم تراكم الديون عليه” وتأججت الخلافات بيننا لاسيما مع تعذر اللجوء إلى القضاء، الى أن تدخل أحد الوسطاء مشكوراً، ويدعى (م.ح)، لإيجاد حل ودي بيننا، يقضي بتخفيض المبلغ المستحق عليه بنسبة مرضية لكلينا، مراعاة للظروف القاسية التي يمر بها سكان القطاع, وبفضل الله وبجهود الوسيط تم حل النزاع بسرية وبسرعة .
وفي قضية مشابهة يرويها المواطن (ز.ح)، من نفس المخيم، قائلاً: “تعرضتُ لنوع من الاحتيال غير المباشر من شريكي في تجارة الملابس على مدار 15 عامًا، حيث كان يماطل في دفع الكمبيالات حتى تراكم عليه, في ظل غياب تام للجهات القضائية الرسمية..”
ويتابع: “تدخل الوسطاء، واقترحوا تخفيض المبلغ، ثم تدخل عدد من المخاتير لاحقًا، وتم التفاوض على تخفيض المبلغ أكثر، وجري الاتفاق على أن تُدفع على أقساط شهرية عبر التطبيق البنكي.” وبعد جلستي وساطة، تم تحرير سند اتفاق وتوقيعه من جميع الأطراف, وبذلك تم حفظ حقوقي في فترة حرجة جداً جراء التغييب القسري لمنظومة العدالة الرسمية .
المحامي منذر الفيراني … يؤكد أن هذا الواقع الصعب أجبر المواطنين على البحث عن بدائل لحفظ حقوقهم: “الغياب القسري لمنظومتي العدالة والأمن في غزة فاقم حجم الانتهاكات القانونية في المجتمع المدني، وزاد من التعدي على الحقوق الفردية.”
ويضيف الفيراني : “غياب الجهات التنفيذية كالشرطة، وتعطّل عمل القضاء والنيابة العامة, فتح الباب أمام تصاعد معدلات الجريمة، وأدى إلى ظهور ممارسات خارجة عن القانون وتعدى على حقوق الغير لاسيما الفئات الأكثر هشاشة وعلى رأسهم المرأة والطفل, وأدى لظهورومفاهيم خاطئة أخطرها أخذ الحق بالقوة والعنوة والقصاص بدون سند من القانون .
ورغم اعترافه بأهمية الوساطة والمصالحة والقضاء العرفي كحلول مؤقتة، إلا أنه يرى أن الحاجة الأهم الآن تكمن في تشكيل لجان وساطة وتحكيم مختصة ومنظمة على غرار ما هو معمول به في عدة مؤسسات أهليه حالياً – شركاء برنامج سواسية 3 – ” وأردف نقترح توجيه المواطنين إلى لجان تحكيم مدنية مختصة، باعتبار أن التحكيم موجود أصلًا قبل الحرب، ويُنظم وفق قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 ل 2000.
الوساطة: عدالة سريعة وإنسانية
كذلك يشر المحامي / محمد سليم السقا منسق مشروع نشر العدالة لدى مركز التنمية والاعلام المجتمعي , إلى أن الوساطة المجتمعية، بما تحمله من روح الحوار وسرعة التفاهم وما تتميز به من مرونة وسرية، أصبحت وسيلة عملية لإنصاف الناس في ظل التغييب القسري للقضاء الرسمي: “الوساطة ليست طارئة على مجتمعنا، بل كانت تُستخدم حتى قبل الحرب، وتتمتع بمزايا كبيرة: السرعة في الأداء، والسرية في الجلسات، والمرونة في التعامل مع الأطراف. اليوم، نحتاج لتقويتها وتنظيمها لتكون أكثر فعالية.”
العدوان على غزة لم يُدمّر الحجر فقط، بل عطّل القانون، وأفرغ المجتمع من أدواته الرسمية لتحقيق العدالة. وفي مواجهة هذا الواقع، برز دور الآليات البديلة لحل النزاعات كالوساطة والمصالحة والتقييم المحايد والتحكيم ، كجسر ضروري بين الحقوق المعطلة والإنصاف الممكن. لكن كما يوضح السقا، هذه الحلول – رغم ضرورتها – لا يمكن أن تكون بديلًا دائمًا عن القضاء الرسمي، وهي تحتاج إلى دعم قانوني ومؤسساتي حقيقي يضمن استمراريتها بفعالية وفي اطار من التنظيم والرقابة , مؤكداً على الدور الهام الذي لعبته المؤسسات والجمعيات الشريكة ببرنامج سواسية 3 خلال فترة الحرب من خلال وحدات المساعدة القانونية التابعة لها في هذا الاطار .