أم أحمد” أنهكها الضرب والفقر، فتصرخ: “تعبت، ساعدوني”

رفح/ بقلم: محمد الكحلوت

وقفت أم أحمد “39 عامًا” مشدوهةً قبالة باب إحدى المؤسسات المجتمعية، بعد رفض استقبالها كونها ليست من الفئة التي تخدمها المؤسسة، لكنها كانت تبحث عن أي طوق نجاة لحمايتها من التعنيف لمدة عشرين عامًا، ولطالما هدد حياتها!

غادرت أم أحمد المكان وهي في حالة صدمة، فكل ما بحثت عنه هو النجاة بما تبقّى لها من صحةٍ جسديةٍ ونفسية، بسبب التعنيف اللفظي والجسدي الذي يمارسه زوجها الذي اقترنت به وهي قاصرة، لكن آخر الأبواب أُغلق في وجهها.

تروي أم أحمد حكايتها لمركز الإعلام المجتمعي: “أجبرتني أسرتي على الزواج من شابٍ في العقد الثالث من العمر قبل أن أُتمّ 18 عامًا، زيّفوا لي صورة المستقبل وقالوا بأن زواجي منه أفضل لي، بل وسيسمح لي بمواصلة تعليمي متى أشاء”.

تزوجت الفتاة الصغيرة وكانت سعيدة بزوجها وعطائه وحبه الكبير، لكن عمر السعادة كان قصيرًا، إذ بدأت الأحوالُ تتغير، حين أجبرها زوجها على ترك المدرسة ولم يعد يسمح لها بالخروج من البيت، حتى إلى منزل أهلها وبدأ مسلسل التعنيف اللفظي والجسدي، لم تشتك مطلقًا مما تعاني حتى اعتادت الأمر وأصبحت كدمات السوط على جسدها أمراً روتينيًا.

كفكفت دموعها التي انسابت على وجنتيها وهي تكمل: “منذ بداية زواجي وأنا أسكن في بيت العائلة، أحيانًا كنت أشعر بالضيق فأطلب الاستقلال، لكن بسبب ضعف شخصية زوجي، خاصة أنه مصاب بمرضٍ نفسي، كان طلبي يُواجَه بالرفض والإهانة والتهميش، والادعاء من أهل البيت أنه لا حق لي في بيت مستقل، رغم أن إخوة زوجي يسكن كل منهم في بيتٍ مستقل”.

أصبح تعرُّض أم أحمد وأبنائها للتعنيف الجسدي واللفظي أمرًا اعتياديًا، لدرجة أن زوجها تسبب ذات يوم في فقدانها لحاسة السمع، حيث أجرت عمليةً جراحيةً فتحسنت، لكن ظلّ الحال كما هو، في ظلِ غيابٍ تامٍ لأهلها عن المشهد.

توضح: “كلما ذهبت إلى أهلي غاضبة (حردانة) يصرّوا على عودتي، بحجة أن السيدة ليس لها إلا بيت زوجها، وأنه مستقبلًا سوف يتحسن، أبنائي تضرروا نفسيًا، حتى إن أحدهم كان يعاني من التبوّل اللاإرادي نتيجة للعنف الذي نتعرض له جميعًا”.

افترضت أم أحمد أن أهلها هم أقرب الناس لها ولكن في كل مرة كانت تشتكي، تعود من بيتهم مكسورةً حزينةً لا مصدر حماية لها، لتكون بذلك واحدة من 58% من النساء الفلسطينيات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري المستمر، وفقًا لإحصائية الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2022، حيث سجّل العنف النفسي أعلاها بنسبة 57.2%، يليه الجسدي 18.5%، والجنسي 9%، فالمجتمع يتبع الى حد كبير العادات والتقاليد في ظل غياب القانون الذي يضمن حماية الأُسرة والنساء المتزوجات وأطفالهن من تعنيف الأزواج.

عانت أم أحمد في بيت زوجها أيضًا من العنف الاقتصادي، حيث كانت تُحرم من الإنفاق عليها بشكلٍ لائق، حتى إن أطفالها ذاقوا الحرمان دون ذنب، رغم امتلاك زوجها دخلًا معقولًا.

على سبيل المثال، تروي أم أحمد أنها طلبت مالًا لشراء فستانٍ لحضور عرس شقيق زوجها، فرفض، وأصرّ أن تلبس مما هو متوفر لديها، رغم أنه اشتري لشقيقاته فساتين جديدة، وحينما أبدت رأيها شارحةً حاجتها لملابس للمناسبة، رد بغضب: “من متى إلك رأي”.

الأصعب من ذلك إن صديقة لها نصحتها بزيارة إحدى المؤسسات النسوية، علّها تجد عندها مساعدة، وبالفعل توجّهت إلى هناك، فالتقت صدفة بإحدى قريبات زوجها التي كانت في زيارةٍ للمؤسسة، وما كان من القريبة إلا أن أبلغت زوجها الذي استشاط غضبًا، وانهال عليها بالضرب هي وأبنائها، ظلّت آثار ضربه على جسدها عدة أسابيع.

أم أحمد التي تعمل حاليًا بائعةً للمنظفات في أحد المتنزهات كي تنفق على نفسها وأبنائها، تُطلق صرخة استغاثة، وتقول: “حين توجهت إلى مؤسسةٍ لتساعدني رفضوا استقبالي لأنني لست من الفئة المستهدفة، وما زلت أبحث عن مؤسسة تستضيفني ولا أعرف أين أذهب، صدقًا فكرت بالانتحار مرارًا، أريد التخلص من هذا الواقع وأعيش حياة كريمة، أنا تعبت من هذه الحياة، ساعدوني”.

وتعاني النساء الفلسطينيات من التعنيف القائم على النوع الاجتماعي في كثير من الحالات نتيجة سيطرة العرف والعادات على النظام المجتمعي والتباطؤ في إقرار الحكومة الفلسطينية لقانون حماية الاسرة في ظل تزايد جرائم العنف ضد النساء والأطفال وتؤكد المنظمات الحقوقية على ضرورة الحراك المجتمعي لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتطالب بإقرار قانون حماية الاسرة وقانون عادل لإنصاف المرأة من أجل القضاء على ظاهرة العنف والتمييز والتهميش، ولا زال يعاني المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة من ظاهرة زواج القاصرات على الرغم من إصدر الرئيس محمود عباس قراربقانون بتاريخ 3/11/2019، (قرار بقانون (21) للعام 2019 معدل للتشريعات الناظمة للأحوال الشخصية بشأن تحديد سن الزواج في دولة فلسطين)، الذي نصّ في مادته (2) على “يشترط في أهلية الزواج أن يكون طرفا عقد القران عاقلين، وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره” وجاء هذا القرار بعد تنسيب مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته التي عقدت في 21/10/2019 بتعديل المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية للعام 1976

وتؤكد كافة الحركات النسائية والمنظمات الحقوقية في فلسطين على ضرورة إقرار قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية.

ونظراً لتعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني نتيجة الانقسام الفلسطيني تعطلت مشاريع القوانين القاضية بحماية الاسرة الفلسطينية والنساء الفلسطينيات، كما ويتطلب من دولة فلسطين مراجعة مشروع قانون العقوبات.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى