فقدان السمع يخفي القهر المخبّأ بين ضلوع “سارة”
غزة/ بقلم: عزة أبو زايد
أتمّت وضع أحمر الشفاه على وجه السيدة الجالسة أمامها في صالون التجميل وتبادلت معها الابتسامة لتتأكد من جميل ما صنعته يدها المدربة، بعد ساعةٍ كاملةٍ قضتها في تزيين السيدة.
هكذا تقضي “سارة” التي تعاني من الإعاقة السمعية نهارها يوميًا في رسم الابتسامات على شفاه النساء دون أن تقوى على الكلام، لتحظى في نهاية يومٍ طويلٍ بالقليل من المال، لا تملك حتى القدرة على المطالبة بزيادته.
مع نهاية كل يوم، تعود “سارة” “30 عامًا” إلى غرفتها في منزل أسرتها بالمخيم، لا أمل أمامها سوى الحديث إلى نفسها حول ما تعانيه منذ الصغر من التعنيف في البيت والمجتمع وحتى في العمل، فتحت قلبها لمركز الإعلام المجتمعي وقررت البوح بما تعانيه وكانت الكتابة وسيلتها.
تروي “سارة” قصتها: “أنا الأكبر بين إخوتي السبعة “ثلاثة ذكور وثلاث إناث” وأنا الأسوأ حظًا، أبي مزارع بسيط وأمي ربة منزل وُلِدت بإعاقة سمعية جلبت لي الكثير من المشاكل على مدى سنوات عمري كلها”.
منذ طفولتها عانت “سارة” عدم قدرتها على اللعب مع الصغار، فلا هي تسمع ما يقولون ولا تفهم ألعابهم، نادرًا ما تمكّنت من الاندماج معهم وهذا ترك في نفسها أثرًا قاسيًا.
تكمل: “زادت المشكلة حين دخلت المدرسة ولم أتأقلم، فهي لا تناسب حالتي، لم أعرف كيف أتعامل مع الأطفال ولا مع معلمتي التي كانت تتأفف وتشمئز مني، كنت أتألم ولا أملك سوى البكاء”.
كانت “سارة” تعود إلى البيت باكية، تحاول الشكوى لأمها من سوء المعاملة؛ لكن الأم لا تفهم ما تريد قوله، بل وضعت تركيزها على باقي صغارها وتجاهلت ابنتها التي لا رجاء منها، هكذا تصف “سارة” الحال.
مرت الأيام ولم تتمكن “سارة” من مواصلة مسيرتها التعليمية، فلا مكان للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية في المجتمع، في ظل ضعف وجود مدارس مخصصة توائم حالتهن واستمرار ضعف الخدمات المقدمة لهن، بينما تتزايد أعداده الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة حتى فاقت 48 ألفًا في قطاع غزة، فبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يشكل الاشخاص ذوي الإعاقة السمعية 1.7% منهم.
تدرك “سارة” أن ما حدث معها ليس فشلًا منها ولكنه غياب تطبيق قانون حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة الفلسطيني، بالتالي تواصلت معاناتهم الناتجة عن تدني الخدمات الصحية والتشخيصية والوقائية والعلاجية والتأهيلية.
تكمل: “بعد أن أكملت 18 عامًا، التحقت بدورات في الأُونروا لتعليم فنون التجميل، كنت مجتهدة ودقيقة في عملي، أحببته وأتقنته وتفوّقت على الجميع وحصلت على شهادة وبدأت البحث عن عمل وهنا تذوّقت المرّ”.
كان على الشابة الصغيرة البحث بجدّ عن عملٍ لمساعدة عائلتها، وخاصة والدها الذي يعنّفها ويتأفف لوجود ابنة ذات إعاقة سمعية، عندما ينفجر غاضبًا لا تسمع ما يصرخ به، لكن ملامح وجهه ليست بحاجة لأي شرح.
تضيف: “بسبب إعاقتي تعرضت لصعوبات في الحصول على عمل لدى صاحبات صالونات التجميل، أخيرًا وافقت إحدى اقربائي على السماح ليَ بالعمل لديها، لكنها صُدمت برفض النساء المترددات لأن أتعامل معهن، بل يرفضن بإشارة كي أقف بعيدًا وكأنني حشرة، شعور مؤلم وجارح، كان عليّ أن أتحمل حتى يجربوا عملي ويعتادوا وجودي، فلا أمل في العمل بمكان آخر”.
أثبتت “سارة” براعتها في تزيين النساء والتعامل مع كل أنواع البشرة ورغم مهارتها إلا أن العائد المادي كان زهيدًا قياسًا بما تحصل عليه العاملات ممن لا يعانين إعاقة وكان عليها الصمت فلا قدرة لها على الجدال، بل إنها عندما طالبت بالزيادة تم تهديدها بالطرد.
الأدهى إن هذا العائد البسيط لم تتمكن من الاستمتاع به أو جلب ما يجعلها تشعر بجمالها مثلما تعكف على تجميل النساء، بل إن والدها يستحوذ على مالها لشراء السجائر ويترك لها مبلغًا بسيطًا يكفي للمواصلات وبعض الاحتياجات البسيطة.
الأسوء من ذلك ، كما تكتب في شكواها، حين تقدّم لخطبتها شاب من ذوي الإعاقة، رفض أهلها تزويجها بحجة إنها لن تتمكن من فتح بيت، رغم رغبة الشاب في تأسيس حياة معها، لكن عدم قدرتها على الكلام جعل القهر مخبأً بين ضلوعها، تنفجر بالبكاء كلما كتبت لها صديقة عن أي أمل، لتكون إجابتها “يقولون إنني طرشة”.
وما يزيد حزنها على كسر قلبها أنه لا يحظى باهتمام أحد، فالأبوين يفضلان باقي الأبناء عنها وهي التي تمنّت ذات يوم افتتاح صالون تجميل خاص وإتمام زواجها وإنجاب أطفال، طالها التعنيف من كل جانب، فلم تسمع منهم سوى ما قتل في أذنها صوت السلام.
وتنص المادة “3” من قرار مجلس الوزراء رقم “40” لسنة 2004 باللائحة التنفيذية للقانون رقم “4” لسنة 1999 بشأن حقوق المعوقين على “بطاقة المعوق” حيث تقدم وزارة الشؤون الاجتماعية رزمة من الخدمات الصحية والدمج الاجتماعي والمهني والتعليمي وإعادة التأهيل وخدمات الدعم وفقاً لنوع الإعاقة ودرجاتها المنصوصة بالقانون وذلك من خلال بطاقة المعوق، وتنص المادة “4” من نفس القانون على التأهيل لأشخاص ذوي الاعاقات وتشمل تقديم مجموعة من الخدمات والمساعدات الاجتماعية والنفسية والطبية والتربوية والتعليمية والمهنية والاقتصادية التي تمكن المعوقين من ممارسة حياتهم باستقلالية وكرامة وذلك من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات المختصة وبالشراكة مع كافة المؤسسات الأهلية والمحلية والدولية المختصة.
وتنص المادة “7” من نفس القانون بأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بصفتها مسؤولة أما مجلس الوزراء بالتنسيق والمتابعة مع جميع الجهات المعنية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان تسهيل الحصول عليها وإعداد برامج التوعية للمعوق ولأُسرته وبيئته المحلية فيما يتعلق بحقوقه التي كفلها له القانون.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.