ريما “المعلّقة” تنشد الحرية من قانونٍ جائر
غزة/ بقلم: مصطفى دوحان
“التأجيل مرة أخرى وكم من تأجيل عليّ أن أتحمّله كي أحصل على الطلاق، متى يتوقّف هذا المسلسل المهين”،
بنبرة حادّة وصوت جاف نطقت ريما “38 عامًا” بهذه الكلمات في قاعة المحكمة الشرعية بمدينة رفح، بعدما أعلن القاضي تأجيل منحها حقها في الخلع للمرة الحادية عشرة على مدى عامين، بدعوى منح فرصة للتصالح.
وبذلك تكون ريما واحدة من مئات النساء المعلّقات في قطاع غزة ورغم عدم وجود إحصائية رسمية، لكن هناك 350 امرأة معلّقة رفع لهن مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة قضايا وفقًا لتصريحات صحفية لمديرة المركز أ. زينب الغنيمي.
في كل مرة تزور فيها ريما المحكمة تسترجع شريط ذكرياتها من الضرب والشتائم التي تركت في قلبها ندوبًا وما زاد الطين بلّة عندما تخلّى زوجها عنها وعن أبنائهما الخمسة وهم أربعة من الذكور وفتاة وبكل بساطةٍ تزوج بأخرى دون تحمل أدني مسؤولية.
تتحدث ريما عن مأساتها: “سافر زوجي للعمل في قطر منذ ثماني سنوات وقبل سفره كان يمارس العنف اللفظي والجسدي بشكل مستمر، حيث كنت اتعرض للإهانة والضرب بشكل شبه يومي ومع ذلك كنت أصبر عسى أن يتغير بمرور الأيام، خاصة أنني أريد الحفاظ على أطفالي وبعد سفره تدهور الوضع إلى الأسوأ”.
عام 2017 أبلغها الزوج عبر فلسطينيين عائدين من قطر أنه تخلى عنها وعن الأبناء ولن ينفق عليهم وأنه تزوج بامرأةٍ أخرى وسيعيش معها.
تغمض عيناها وهي تروي بحزن: “هذه مكافأتي على الصبر طوال أكثر من عشر سنوات”.
توّجهت ريما إلى المحكمة الشرعية للحصول على حكم تفريقٍ أو خُلع، كانت تريد إنهاء الزواج مع احتفاظها بحقوقها كونه هجرها، لكن ما لبث النزاع القانوني أن تحوّل إلى صراعٍ بين الأبوين، أبيه وأبيها.
توضح: “والدي يصرّ أن لي حقوقًا شرعيةً خاصةً بسبب الطريقة القاسية التي تخلّى بها زوجي عني، في المقابل والده يرفض دفع أي شيءٍ من حقوقي بحجة أنه تبرّأ من ابنه ووصفه بأنه ابن عاق، رغم ذلك فهو يقف في صفه ويدافع عنه”.
بينما يشتعل النزاع بين الوالدين، ونزاع آخر بين محاميتها ومحاميه، كانت ريما تخوض صراعًا آخر من أجل لقمة العيش، فوضع عائلتها الاقتصادي صعب وعليها إيجاد عمل تعيل منه أسرتها، وحين تقدّمت بطلبٍ لدى وزارة التنمية الاجتماعية كان عليها الحصول على ورقة تثبت طلاقها كي تحصل على مردودٍ مالي زهيد، لكن كونها معلّقة لم تملك هذه الورقة المتمثلة بحكم المحكمة النهائي لصالح الخلع.
تكمل: “في كل جلسة ٍللمحكمة كنت أدفع 40-50 دينارًا للمحامية، وهذا مبلغ كبير لا قدرة لي عليه لا أنا ولا عائلتي، أما زوجي فما زال عبر محاميه يقدم المزيد من الحجج منعًا لحصولي على الطلاق، كي لا يضطر لدفع حقوقي المالية، رغم أنه يدفع كامل نفقات المحامي”.
تتساءل بقهر: “ألم يكن من الأولى دفع هذا المال من أجل أبنائه”.!
وتعتقد ريما أن القانون الذي يسمح بأن تستمر جلسات المحاكم عدة سنوات دون حصول المرأة على حقها هو يمثل ظلمًا كبيرًا لها، وتضيف: “نسمع بالكثير من التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وأنه أصبح أكثر إنصافًا للمرأة، ولكن عند التطبيق لا نرى هذا، تغيب العدالة خاصة عندما تتدخل العادات والتقاليد”.
“قانون قديم”، “وقضاة يتأخرون في إصدار الأحكام أملًا في أن يتراجع الزوجان عن الطلاق”، هذان هما السببان الرئيسيان في مشكلة النساء المعلّقات داخل المحاكم بانتظار حريتهن.
لم تكن ريما إلا صاحبة واحدةٍ من مئات القضايا المشابهة في دفاتر المحاكم الشرعية، حيث تواجه النساء (المعلقات) في قطاع غزة مشكلة حقيقية في عدم تمكنهن من الحصول على التفريق، بسبب الإجراءات والنصوص القانونية المعمول بها، إذ تظلّ السيدات عاجزاتٍ عن الحصول على طلاقهن، إلا بعد مرور سنوات من رفع الدعاوي القانونية.
وتظل إشكالية الانقسام الفلسطيني عائق حقيقي أمام توحيد القانون الفلسطيني للأحوال الشخصية وتطبيق قانون موحد في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ومن جانب آخر يعتبر عدم السرعة في الفصل في القضايا وإطالة أمد التقاضي انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان بشكل عام ولأخطر هو تأجيل الفصل في القضايا بسبب النوع الاجتماعي.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.