التنمّر.. سوط الكلمات الذي يجلد ذوات الإعاقة في قطاع غزة

التنمّر.. سوط الكلمات الذي يجلد ذوات الإعاقة في قطاع غزة

قطاع غزة/ بقلم: هديل فرحات

“وكأن ما كان ينقصنا أن تسقط فوق رؤوسنا الكلمات الجارحة ونظرات الانتقاص المهينة دون ذنب، فنحن ذوات الإعاقة نتعرّض لتنمّر يصل حد السخرية والإهانة وذنبنا أن ظروفنا الجسدية مختلفة”.

هكذا بدأت آيات “28 عامًا”، حديثها لمركز الإعلام المجتمعي واصفة ظاهرة التنمّر التي تتعرض لها الكثيرات من ذوات الإعاقة، فالشابة التي وُلدت مصابة بشلل دماغي سبّب لها صعوبة في النطق والحركة، أصرّت على مواجهة كل هذا والخروج للتعلّم والعمل معًا.

تقول آيات (اسم مستعار) وهي من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة: “في المدرسة كنت أتعرّض للسخرية من الأطفال، وعند دراستي تخصص التربية الخاصة بالجامعة أيضًا واجهت السخرية من زميلات بسبب صعوبة النطق التي أعانيها، رغم أن تخصصنا الذي ندرسه يحتّم علينا التعامل مع ذوات الإعاقة بشكل مختلف”.

“معاقة معاقة”، هكذا زفّها أطفال في الشارع ذات يوم كما تروي والأصعب أنها تواجه كل هذا وتضطر لعدم الشكوى لذويها كي لا يزيد حزنهم عليها، إلا أنها تحمّل الآباء مسؤولية عدم توعية أبنائهم بضرورة التعامل بشكل لائق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يعاني المجتمع ككل من انعدام ثقافة التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لما نص عليه القانون رقم”٤” لعام ١٩٩٩ بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام ٢٠٠٦.

وتشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد الأشخاص ذوات وذوي الإعاقة في قطاع غزة تجاوز 127 ألفًا، تشكّل النساء نسبة 44% منهم ويعانون صعوبةً شديدة في تلقي الخدمات؛ ناهيك عن غياب مواءمة المرافق العامة لهم، فقد أقرت المواد “9” الواردة في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حق إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة والحق في الوصول الى كافة جوانب الحياة وعلى الأطراف أن تأخذ التدابير اللازمة والمنتسبة التي تكفل إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة.

ويشمل ذلك توفير المباني والطرق ووسائل النقل وكافة الخدمات التي تضمن حق المساواة دون تمييز للأشخاص ذوي الاعاقات، كما تقر المادة رقم “8” بتعهد الأطراف باعتماد التدابير اللازمة لإذكاء الوعي في المجتمع بشأن الأشخاص ذوي الإعاقة على مستوى الأسرة والمؤسسات وتعزيز احترام الحقوق المتعلقة بتلك الفئات ويشمل ذلك حملات التوعية من خلال نشر التصورات الإيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة وتشجيع أجهزة الاعلام على الاسهام في نشر الوعي المجتمعي حول حقوق هذه الفئات.

فداء (أسم مستعار) “34 عامًا”، شابة أخرى من الأشخاص ذوات الإعاقة الحركية، عاشت تجربة التنمّر منذ طفولته وحين قررت التعايش مع واقعها والانخراط في المجتمع، انتهاءً بأماكن العمل.

تقول فداء لمركز الإعلام المجتمعي: “كنت أتعرض لألفاظ جارحة بسبب عدم قدرتي على المشي وكثيرًا ما شعرت بالنقص بسبب ذلك مما أدى إلى انعزالي وعزوفي عن الانخراط في المجتمع”، لكن فداء أصرت على الخروج مرة أخرى ومواصلة الدراسة رغم المفردات القاسية التي لاحقتها في كل مكان ونغّصت حياتها.

توضح أن أحد السائقين قال لها مؤخرًا: “ليش بتطلعي من البيت خليكي فيه أحسنلك”، ربما لا يدري السائق كم كانت كلماته قاسية على الشابة، وكم عانت من الحزن الشديد بسببها وهذا ليس موقفًا منفردًا بل أن المواقف التي يتعرض لها الأشخاص ذوي الإعاقة متعددة ويأتي في سياق مواقف شبه يومية تكسر قلوب الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن فداء واصلت إصراراها على مواجهة المجتمع وقررت الخروج من هذه الدائرة فواصلت العمل وفرضت احترامها على الجميع ولم تسمح لأحد بإهانتها أو الانتقاص منها.

بدورها تقول “سوزان العمصي”، الناشطة الشابة في قضايا حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إن الكثير من ذوات الإعاقة يتعرضن للتنمر والألفاظ الجراحة سواء في الأماكن الخاصة أو العامة ويسمعن باستمرار مفردات مثل “شوف هاي المعاقة، أو هاي القزم”، وغيرها من المفردات التي تخرج من الناس بقصد أو دون قصد، وتسبب الأذى النفسي لذوات وذوي الإعاقة وهو ما يدلل على انعدام الثقافة المجتمعية المتعلقة بالتعامل مع الأشخاص ذوى الإعاقة التي تحتم على الجميع دمجهم في المجتمع دون تمييز بل والمساهمة في تعزيز قدراتهم وتوفير كافة الخدمات لهم.

وتوضح: “درجة الوعي هي التي تحكم من انتشار ظاهرة التنمّر، فهي متزايدة في المناطق النائية وذلك يعود إلى انخفاض مستوى درجة إدراك الناس ووعيهم الجمعي في معاملة الأشخاص من ذوي الإعاقة، لذا تسعى المؤسسات إلى نشر الوعي في كل المناطق للقضاء على هذه الظاهرة المؤذية بما فيها التركيز على المناطق النائية” إيماناً منها بإذكاء الوعي الأسري والمجتمعي بشأن الفئات من ذوي الإعاقة.

حيث تحظى هذه الظاهرة على حد قول الناشطة “سوزان العمصي” باهتمام الكثير من المؤسسات المجتمعية، التي تنفذ غالبتيها مشاريع يتم خلالها عقد دورات وجلسات توعية ودعم وتعليم حول حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة وكيفية التعامل معهم واحترام انسانيتهم، وكل هذا يسهم في الحدّ من الظاهرة.

تطالب “العمصي” الجمعيات الأهلية والمؤسسات الدولية بتكثيف الجهود من أجل القضاء على هذا التمييز ضد الأشخاص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، ونوهت إلى أن تمكينهن يجب أن يكون على رأس الأولويات المجتمعية في قطاع غزة وذلك للقضاء على العنف بكل أشكاله بما فيها الاقتصادي الواقع على الأشخاص ذوي الإعاقة والذي تسبّب به الحصار الخانق على القطاع من قبل الاحتلال الاسرائيلي.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى