أصبحت أماً وأنا ما زلت في حاجة لأمي
أصبحت أماً وأنا ما زلت في حاجة لأمي
غزة / ريهام ياسين
صدر مؤخراً قراراً يمنع إتمام عقد الزواج لكلاً من الفتيات والشبان دون سن الثامنة عشر مع وجود استثناءات غير محددة، وتجري الآن سجالات كبيرة حول هذا القرار بين مؤيد ومعارض له. ومن المشهود في الحياة الواقعية مدعمة بالإحصائيات والدراسات، فإن الزواج المبكر للفتيات خاصة يمثل مشكلة مقلقة في المجتمع الفلسطيني، تضع الفتيات المتزوجات دون سن الثامنة عشر عاماً في أوضاع معيشية مؤلمة.
إن العنف بكافة أشكاله ضد المرأة، سواء الجسدي أو النفسي أو الجنسي وسوء المعاملة والإستغلال وصولاً للموت في بعض الحالات، هي بعض من تبعيات الزواج المبكر للفتيات القاصرات اللواتي يفقدن فرص التعليم والتطور والعمل والمشاركة في الشأن العام، بالإضافة للمشاكل الصحية والاجتماعية ليس أقلها الطلاق والفقر وغيرها.
أم أحمد إحدي ضحايا الزواج المبكر تقول: ” لقد تزوجت بعمر الخامسة عشر عام، لم أكن حينها أعي ما هو الزواج وما هي حقوق الحياة الزوجية ولم أتقبل زوجي لسنوات طويلة وكثرت الخلافات حيث تعرضت للعنف من قبل والد زوجي ووالدته وأيضاً زوجي لعدم معرفتي بتلك الأمور وتقديم الحقوق الزوجية لزوجي في بداية الأمر، لكن فيما بعد أصبح اجباريا واعتياديا دون رغبة ” وأضافت أم أحمد في حديثها عن ما تعرضت له من مخاطر أثناء الحمل “حملت بعد الزواج بأربعة شهور وعلمت بالشهر الثالث أنني حامل لم أكن أعي حينها ماذا علي أن افعل فكان كل شي غريب عليّ ومتعباً للحد الذي لم يقوى جسمي على تحمله، حتي حدثت الولادة في وقت مبكر على غير العادة وأصبت بحمى النفاس حتى شعرت نفسي وكأنني قد فارقت الحياة. لم أجد أحد يأخذني إلي طبيب أو مستشفى، أو يفهم ما أشعر به، وبقيت علي قيد الحياة بعدها كان فضلاً من الله ليس إلا.. أنجبت طفلاً تلو الآخر دون وعي بأمور تنظيم الحمل وغيره حتى ضاقت بي الحياة من شدة الضياع فقررت الطلاق ولكن أهلي لم يسمحوا لي، فقررت الإنتحار حرقاً داخل غرفتي، ولكن أخي لحقني في آخر لحظة.
وتقول “حياة” ضحية أخرى للزواج المبكر: “منذ أن خطت يداي توقيعا على عقد الزواج، لم أعي الكم الهائل من العذابات التي واجهتها بحياتي حتي الآن” وأضافت حياة حول معاناتها أثناء الحمل الأول وولادتها لإبنتها بالشهر الثامن نتيجة التعب والإرهاق وعدم تحمل جسمها أعباء الحمل، لم يكن الجنين بصحة كافية لإستكمال حياته، إلا أن إرادة الله أبقاه لها. وتستكمل حياة حديثها: ” لم أستطع أن أتعامل مع طفلي الذي لم يصل وزنه للحد الطبيعي، ثم حملت بالطفل الثاني مباشرة قبل أن أستعيد صحتي وعافيتي بشكل يمكنني من ولادة وتربية طفل آخر. أنهكني التعب والمرض، وسرق مني متعة إحتضاني لطفلي الأول والثاني ودمر حياتي بكل تفاصيلها. ”
أما نور التي تزوجت في 14 سنة فتقول: ” حملي بسن صغيرة أدى إلى إجهاضي بشكل متكرر والذي بسببه أمرني الطبيب بتناول حبوب منع الحمل بسبب ضعف نمو أعضائي التناسلية، لكن زوجي وعائلته رفضوا ذلك وأنجبت طفلي بمعاناة كبيرة ومكوث بالعناية المكثفة داخل المستشفى بالإضافة للولادة بعملية قيصرية”.
وحول المشاكل الصحية التي يسببها الزواج المبكر للفتيات، تقول ليلى حمد أخصائية تنظيم الأسرة ومتابعة الحمل لمركز صحة المرأة _جباليا التابع للهلال الأحمر: ” أن الفتاة حتى سن 18 عام تعد في سن الطفولة والمراهقة، والاحتياجات الطبيعية للنمو، وما يصاحبه من تغيرات جسدية، ونفسية، وجنسية، فالزواج في سن مبكر يؤثر سلبياً على صحة الأم وخاصة على عظامها، فعملية الولادة تحتاج بنيةً جسدية مكتملة مما يعرض الكثير من النساء للأمراض كما وتتعرض حياة طفلها للخطر لعدم الوعي الكافي بالصحة الإنجابية”. و تضيف حمد: “أن كثير من الحالات القادمة للمركز الصحي فتيات ما دون الخامسة عشر يؤتى بهن لمعالجة تأخر الإنجاب من قبل والدة الزوج، رغم أن تأخر الحمل في تلك المرحلة أمر طبيعي لعدم إكتمال الجهاز التناسلي لدى الفتاة بذلك العمر مما يسبب أضرار كبيرة علي صحة الفتاة من إجهاضات متكررة، التعرض لنزيف، أمراض تناسلية وتهتك بجدار الرحم نتيجة العلاقة الزوجية بدون وعي بتفاصيلها من قبل الزوجين”. وتعتبر حمد أن الإجهاض يشكل خطراً كبيراً علي الفتاة القاصر أكبر من الحمل لما له تداعيات كبيرة من التصاق بقايا الحمل بجدار الرحم مما يأخر عمليه الحمل فيما بعد او يخلق أجنة غير سليمة لعدم متابعة الفتاة بعد الإجهاض لمراكز صحية متخصصة، وهذا يؤكد على أن هناك علاقة مباشرة بين الزواج والحمل ووفاة الأمهات أو الأطفال، لاسيما إذا كانت الفتاة متزوجة دون الثامنة عشر سنة حيث تختلف الأسماء وتتعدد المشكلات والأزمات النفسية. فالقضية واحدة وهي تؤرق الفتيات والنساء بمختلف أعمارهن منهن الأم والزوجة والابنة ألا وهي قضية الزواج المبكر.