الاحتلال يعبث بحياة تهاني وفرصةٍ نجاتها من مرض السرطان
قطاع غزة/ بقلم: هيا بشبش
“تهاني” في سريرٌ خاص بالمرضى ومحلول يدبّ في أوردتها وبعض الأمل في النجاة، تنتظر تهاني “25 عامًا” من سكان معسكر جباليا شمال قطاع غزة موافقة الاحتلال الإسرائيلي على تصريحٍ يمكّنها من المرور عبر حاجز بيت حانون “إيرز”، للعلاج من مرض السرطان!
وترتبط فرصة نجاة تهاني (اسم مستعار) من مرض السرطان برحلة العلاج خارج قطاع غزة الذي يعاني من ضعف الإمكانيات الطبية وهذا مرتبط بموافقة الجانب الإسرائيلي على تصريح خاص يسمح لها بمغادرة القطاع الذي يحاصره منذ 15 عام، حيث يُمنع الفلسطينيون من التنقّل منه وإليه إلا بموافقة من الاحتلال، ذلك بعد تقديم طلب الحالة المرضية من خلال وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية.
تروي تهاني قصة إصابتها بالسرطان: “قبل عامين تعثّرت عن سلّم البيت ووقعت، أصبت بالتواء في الكاحل وبعض الخدوش وألم شديد في الظهر، كان الألم حينها كبير لكنه تلاشى مع الأيام، بعد الحادثة بمدّة حملت بطفلي الثالث وأثناء الولادة تجددت آلام التي تعرضت لها بسبب الحادث، ظننت أنه عابر وسيمضي بعد مرحلة النفاس، لكن آلام الولادة ذهبت وبقي هو”.
انتهى كيس المحلول وتوّلت والدتها تحرير يدها من الأنبوب، حملت رضيعها الذي لم يتجاوز الشهر الثامن من العمر، مضيفة: “تضاعف الألم تدريجيًا، تنقّلت من طبيب إلى آخر لمعرفة سببه ليكتشفوا أنه ورم سرطاني بجانب العمود الفقري ملاصق للفقرات، ناتج عن الحادث القديم كما أخبروني، وللأسف هذا النوع من السرطان لا علاج له داخل القطاع، فهو يلزمه بداية استئصال جراحي ثم علاج كيماوي وإشعاعي”.
هدهدت طفلها وقالت بينما تترقرق من عينيها الدموع: “خائفة من فراق طفلي وهو في هذا السن، لم يدرك ملامحي بعد، إخوته ما زالوا صغارًا، أخبرني الأطباء حاجتي لعملية جراحية دقيقة جدًا، لا يوجد إمكانيات لها هنا، وأي خلل سينتج عنه إما الوفاة أو الشلل، لا علاج لي هنا، والقطاع يعاني نقص حاد في أدوية السرطان منذ شهور وتم تحويلي إلى العلاج بالخارج منذ خمسة شهور وما زلت بانتظار موافقة الاحتلال والخوف يملأني وفي كل مرة يتم تحويلي لتاريخ آخر”.
يعاني قطاع غزة من نقص حادّ في توفر أدوية لمرضى السرطان ويحتاج جزءٌ كبيرٌ منهم للعلاج خارج قطاع غزة وهو أمر مرهون بموافقة الاحتلال الإسرائيلي على خروجهم وهذه موافقة قد لا تأتي أو تتأخر إلى وقت قد تكون فيه الحالة تدهورت بشكل كبير.
حسب وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، فقد تم خلال السنوات الخمس الأخيرة تشخيص أكثر من 8000 إصابة بالسرطان، بمعدّل 1700 سنويًا، وتعاني مستشفيات القطاع من نقص حاد في الأدوية الكيماوية والإشعاعية، ما يؤثر على بروتوكولات العلاج للمرضى ويهدد حياتهم ويجعل من فرصة نجاتهم مرتبطة بإمكانية السفر للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو الداخل المحتل.
حاولت عائلة تهاني وزوجها مرارًا تقديم تاريخ سفرها أو تحديده من قِبل العلاج بالخارج، لكن دون جدوى، عدّلت والدتها سريرها الطبي كي يناسب جِلسة ابنتها المريضة للتخفيف ولو قليلًا من الآلام التي تحاصرها.
تقول تهاني: “أستلقي على هذا السرير في بيتي منذ خمسة شهور، نفسيتي مرهقة بسبب المستشفيات وانتظار العلاج، ومخالطة المرضى ومعايشة أوجاعهم تزيدني ألمًا، فطلب زوجي من الطبيب المعالج السماح لي بالعودة إلى البيت وتوفير كل ما تتطلبه حالتي، فنصح الطبيب بـ”فرشة” طبية وسرير خاص كي أشعر بالراحة قليلًا، وبعض الأدوية والمحاليل لتخفيف جزء من الآلام ومحاولة محاصرة الورم”.
عادت تهاني إلى البيت لتتناوب والدتها وأخوات زوجها خدمتها هي وزوجها وأطفالها ومتابعة احتياجات بيتها، وما زالت تحمل في صدرها الأمل بأن تتمكن من السفر لإجراء العملية ومتابعة العلاج، لتبقى عرقلة الاحتلال الإسرائيلي لسفر مرضى السرطان من نساء قطاع غزة للعلاج في الخارج واحدة من أبرز وأقسى أشكال العنف الممارس ضد النساء في القطاع والمخالف لأبسط الحقوق الإنسانية.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.