ضرورة ملحّة لمواجهته.. العنف يضيّق على النساء مساحة الفضاء الرقمي

أماني شنينو _ فلسطين/غزة

مع نشأة وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الألفية الثانية، وجدت النساء أخيرًا مساحات رحبة للتعبير عن ذواتهن وقضاياهن، وطرح رؤاهن الخاصة بعيدًا عن القيود التقليدية، لكن الواقع لم يكن ورديًا كما تمنين!

فهذه الوسائل رغم ما تتيحه من فضاء رحب، لكنها تحوّلت إلى مساحة أخرى للعنف والتنمر من قِبَل المتنمرين الذين وجدوا لأنفسهم أيضًا مكانًا عليها خاصة ضد النساء بمختلف فئاتهن العمرية.

وفقًا لاستطلاع الكتروني أجراه مركز الإعلام المجتمعي، وصلت العديد من التجارب لنساء وفتيات عايشن تجربة العنف الالكتروني.

تقول سارة “29 عامًا” واحدة ممن شاركن في الاستطلاع: “واجهت التنمّر كثيرًا لأن حسابي على تطبيق انستجرام مفتوحًا، كانت التعليقات تزعجني خاصة تلك التي تنتقد شكلي وحجابي ولبسي للبنطال، أزعجتني في البداية لكن قررت عدم التجاوب معها، وكل شخص لا يعجبني تعليقه أقوم بحظره فورًا”.

حسب تقرير للأمم المتحدة “يعد التنمّر القائم على المظهر أحد أكثر جوانب إساءة الاستخدام شيوعًا على الإنترنت وخارجها، ففي عالم مزدحم، يسوده هاجس المشاهير، يقع الشباب تحت ضغوط هائلة من وسائل الإعلام والمؤثرين والمحتوى الإعلامي الذي يستهلكونه للظهور والتصرف بطريقة معينة”.

مريم “35 عامًا” شابة أخرى تشارك تجربتها: “مثلما تعرضت للتنمر في الشارع بسبب لبسي، عانيت أيضًا من تنمّر على الانترنت بسبب آرائي السياسية وانتقادي للمشاكل الاجتماعية التي نعانيها في قطاع غزة، وكأن رأي النساء جريمة”.

ولا تختلف تجربة أنعام “40 عامًا، فهي مضطرة لتوضيح كل منشورٍ لها على فيسبوك للمنتقدين والمتنمرين، لكنها وصلت أخيرًا إلى قناعة بأن تكتب ما تريد وهم يكتبون ما يريدون، فكل شخص له الحق في التعبير عن رأيه وشخصيته، وتزيد: “بل وعقده النفسية أيضًا” حسب وصفها.

ضغط نفسي

ترى سمر قويدر الأخصائية النفسية في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، إن التنمر يتزايد بسبب غياب الرقابة وضعف تعليم الأفراد على استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل صحيح وإيجابي، فكثير من الناس يؤدي نشرهم لقصصهم وحياتهم اليومية إلى جعلهم عرضة للتنمر.

وحسب قويدر، فإن اللواتي يتعرضن للتنمر يصبحن أقلّ تقديرًا لذواتهن من غيرهن، خاصة التنمر المتكرر ومن عدة أشخاص، وتذهب الكثير منهن إلى التفكير في محاولة الانتحار، وتعاني من ضيق دائرتها الاجتماعية وتنطوي على نفسها، وكثيرًا ما يكون الأهل جزءًا من دائرة المتنمرين بشكل غير مباشر دون وعي بتأثير ذلك عليها، فالمحيط العائلي له أهمية كبيرة في احتواء ضحية التنمر وعدم لومها وتعزيز ثقتها بنفسها.

وتنصح قويدر الفتيات ضحايا التنمر بعدم الاستسلام ومواجهة التنمر بكل قوة، واللجوء لأخصائيات نفسيات في حال لم يكن الدعم الذاتي والعائلي كافيًا، وشعرن بالحاجة لمساعدة خارجية للتخلص من آثاره عليهن، فهناك خطوط مجانية من مؤسسات الدعم النفسي.

القانون ملجأ ولكن!

حول دور القانون في الحماية من التنمر والعنف الالكتروني، يستعرض المحامي صلاح عبد العاطي، جملة القوانين الناظمة لهذا الشأن، أولها قانون العقوبات الذي أضاف له المجلس التشريعي نصًّا يمكّن الجهات المختصة من ردع أي شخص يسيء استخدام التكنولوجيا من تنمر وعنف وقذف وغيرها، وقانون الجرائم الالكترونية الذي يحتوي نصوصًا تتعارض مع القوانين الدولية خاصة الحق في حرية الرأي والتعبير كونه يسمح للسلطة باستخدامه ضد الخصوم السياسيين.

ويرى عبد العاطي ضرورة إعادة صياغة قانون الجرائم الالكترونية وفقًا للمعايير الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني، بحيث يوازن بين مبادئ حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية، وجرائم القذف والذم والتشهير والإساءة وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، وإجمالًا فإن القوانين المتعلقة بحماية المرأة من العنف تحتاج إلى تطوير لضمان منع تكرار حوادث العنف الالكتروني بحق النساء في فلسطين.

ويؤكد عبد العاطي ضرورة أن تلجأ الفتيات اللواتي يتعرضن للعنف الالكتروني إلى تقديم شكوى لدى قسم تكنولوجيا المعلومات بالشرطة الفلسطينية، ولدى النيابة العامة للقيام بالواجب القانوني ضد المتنمّر حسب القانون الفلسطيني، وألا تستجيب للمتنمرين، إضافة على اتخاذ جملة من التدابير لحماية الحسابات الشخصية.

التوعية والأمان

فالمشكلة الحقيقية التي تواجه النساء هي ضعف الوعي الكافي بموضوع الأمان الرقمي خاصة الفتيات على منصات التواصل الاجتماعي، من تأمين حسابات الفيسبوك بوك والواتساب والانستجرام وغيرها، والتصفح الآمن للانترنت، وهذا يعرضهن لاختراق الحسابات الذي يؤدي إلى الابتزاز والعنف ضدهن كما يرى محمود البربار المختص في الأمان الرقمي.

وحسب تقرير “Ditch the Label and Brandwatch” ، على مدى أربع سنوات، وبعد تحليل 19 مليون تغريدة، فهناك ما يقارب 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على تويتر وحده، وتبيّن أن 52% من الإساءات كُتبت بواسطة نساء وغالبًا استهدفت المظهر والذكاء.

وقدّم البربار إرشادات رقمية تساعد في حماية النساء على مواقع التواصل الاجتماعين أولها الحصول على الوعي الكافي في مجال الأمن الرقمي، وهي متوفرة على الانترنت، فخطوات بسيطة منها مثلًا ربط الحساب برقم الهاتف المحمول وإضافة البريد الالكتروني لتفادي إشكاليات نسيانه، وتأمين الحساب بميزة التحقق بخطوتين، تسهم في حماية الحساب.

ثانيًا، حسب البربار، من المهم ألا تقبل الفتيات قبول طلبات صداقة غير معروفة فغالبًا تكون وهمية لها أغراض غير واضحة، وثالثًا عدم الرد على رسائل غير مناسبة والامتناع عن فتح روابط مشكوك فيها، فمؤخرًا انتشرت طرق للاحتيال لسرقة الحسابات مثل بريد من فيسبوك أو رسالة على الخاص من انستجرام تفيد بأن الحساب سيتم إغلاقه إذا لم يتم فتح الرابط، فكلها روابط تعرض الحساب للسرقة، ورابعًا ضرورة عدم الاحتفاظ بأي صور أو معلومات شخصية مهمة في الرسائل في حسابات السوشيال ميديا وخاصة الواتساب والمجموعات الخاصة بالفتيات فهي معرضة للاختراق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى