قتل النساء.. جريمة تتعدى الضحية إلى قتل المجتمع برمته
هديل الغرباوي
رغم أننا على أعتاب نهاية العام 2021، إلا أن المرأة لا زالت هي الضحية نتيجة الصورة النمطية التي أوجدها المجتمع الذكوري لها منذ القدم، حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في نسب العنف بكافة أشكاله والموجه ضد النساء، وخاصة جريمة القتل حيث شهدنا مؤخراً أكثر من حادثة قتل للنساء في مناطق مختلفة من فلسطين وذلك على رغم من الجهود المبذولة والتي لا زالت تبذل من أجل مناصرة المرأة والتوعية بحقوقها!
ورغم الوعود بتعديل القوانين، وحالة الاحتقان الشعبية التي غالباً ما تعقب قتل النساء في مجتمعنا، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً دون ارتكاب الجريمة، إذ شهدت الأيام القليلة الماضية جريمة قتل مروعة حين أقدم المواطن “ع.ع”، من قرية كفر نعمة قضاء رام الله، على قتل زوجته “ص.ت” ذات الثلاثين عاماً، الأم لأربعة أطفال، والتي اتسمت حياتها الزوجية بالاضطراب والعنف وحدة المشاكل، بسبب تعاطي زوجها للمخدرات بحسب إفادة الشهود.
والمغدورة “ص.ت”، كانت تعمل موظفة في أحد المؤسسات وكانت تنفق على بيتها وأبنائها، بينما كان زوجها يهدر أمواله على شراء المخدرات، -حسب إفادات الشهود- ورغم ذلك آثرت الحفاظ على أسرتها ومستقبل أبنائها عسى يتبدل حال زوجها المدمن، فكانت تبادر إلى نزع فتيل الخلافات داخل الأسرة، واحتمال الضرب والعنف والإهانة حيث استمرت على هذه الحال قرابة 12 سنة.
ومع اتساع دائرة الخلاف وتفاقم المشاكل داخل الأسرة وعدم تبدل حال الزوج، بادرت عائلتها في إقناعها بالطلاق للخلاص من الحالة المزرية التي تعيشها، لكنها خشيت الطلاق ولم تسع إليه خوفاً على أبنائها من الضياع.
وفي سياق الأحداث يذكر أن المغدورة تعرضت في إحدى الفترات للعنف من قبل زوجها، فتقدمت بشكوى لدى مؤسسة حماية الأسرة والجهات الأمنية التي قامت بإلقاء القبض على الزوج وإيداعه في السجن لمدة شهر.
عم المغدورة “ج.ت”، يقول حول صنوف العذاب الذي تعرضت له : “منذ قرابة العام قام زوجها بتقييدها أمام أطفالها، وانهال عليها ضرباً بكابل كهرباء وامتزج صراخها بصراخ أطفالها الذين هربوا من قسوة المشهد وجبروت الأب إلى بيت جدهم “والد أمهم”، حيث هرع والدها وإخوانها إلى منزلها لتخليصها من بين يديه”.
ويضيف ” في يومها اشتبك أحد إخوانها مع زوجها وقام الأخير بالاعتداء عليهم، وسبب لأحدهم جروح بالغة في الرأس وعلى أثر هذه الحادثة باشرت المغدورة إجراءات الطلاق”.
أما عن ليلة الجريمة فيقول عمها: “قام زوجها بقتلها بطريقة بشعة وارتكب جريمته أمام أطفاله بل وقام أيضا بالتمثيل بجثة المغدورة إذ استخدم بلطة في تمزيق وجهها وشفتيها واقتلاع عينيها، وباتت بلا ملامح واضحة، فلم نتمكن من التعرف عليها في المشفى”.
ويتابع عمها حديثه: “هذا زوج مجرم، عائلته تعرف أيضاً أنه مدمن”، متسائلا لماذا لم يحاول أحد علاجه؟! و لماذا تم إطلاق سراحه بعد اعتقاله على خلفية حيازة مخدرات؟!”.
ولفت “ج.ت” إلى أن العائلة سعت مراراً وتكراراً للطلاق، وآخر محاولتها كانت منذ ثمانية أشهر، حين بدأت إجراءات طلاقها، لكنها تفاجأت بتأجيل قضيتها لعدة مرات، دون أن يقع الطلاق، وفي تلك الفترة توفي أخوها المريض بالسرطان، الأمر الذي ألقى بظلاله السيئة على نفسية “ص.ت” حينها.
ويقول: “العائلة ستلجأ إلى القانون، إذ تطالب بإعدامه، كما ستلجأ العائلة إلى الحل العشائري”، داعياً وسائل الإعلام إلى تحويل قضية ابنتهم “ص.ت” إلى قضية رأي عام، موضحاً أن تقرير الطب الشرعي أفاد بتعذيبها والتمثيل بجثتها.
ضحايا صغار
“أ.ع” أبن الضحية والجاني الطفل الذي يبلغ من العمر 7 سنوات، والذي هو بأمس الحاجة للأم في هذه الفترة، ولجو أسري سليم، لكنه نشأ في منزل يعاني من العنف الأسري والذي أفضى إلى مقتل والدته.
وهنا نتساءل، كيف لطفل ذو 7 أعوام أن ينخرط بالمجتمع ويعود للدراسة والحياة دون أم، وأيضاً دون أب فهو ابن ضحية وابن قاتل في ذات الوقت؟!
الطفل” أ.ع” أكبر أخوته، “م.ع” شقيقه يبلغ من العمر 4 سنوات يقول :” حبسني أبي أنا وأخي في الغرفة وقال بنبرته القاسية (بديش أشوف حد فيكم برا)، وبعد دقيقة سمعت صرخات والدتي المتتالية لم أكن أعلم ماذا أفعل، وكيف أساعدها، فما خطر ببالي إلا ان اختلق سببا للخروج وهو الذهاب للحمام لقضاء حاجتي، لكن أبي صرخ بأعلى صوته وكاد يصفعني بقوة”.
يضيف ” دخلت الغرفة مسرعاً وأغلقت الباب خوفاً من ضربي، وبعد دقائق من صرخات والدتي المتكررة، سكت صوت أمي لفترة فاعتقدت بأنه توقف عن ضرب أمي، فخرجت وجدت أمي ملقية على السرير وحول رقبتها حزام الملابس، ووجهها أزرق شاحب”.
قتل النساء مستمر
الشرطة في قطاع غزة، في 10 شباط/فبراير 2021، قالت إن شابة وصلت إلى مستشفى الشفاء “جثة هامدة”، وإن تحقيقاً في ملابسات الواقعة قد فُتح، ولفتت إلى اعتقال الزوج الذي اعترف بجريمته في التحقيق، وإحالة الجثة إلى الطب الشرعي الذي أفاد بأن المتوفاة “قتلت بشبهة جنائية”.
رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية د. أمجد المفتي يقول :” قتل الأم يسبب للأبناء العديد من المشكلات على الصعيد الشخصي، وأخرى على صعيد العلاقات الاجتماعية، سواء على مستوى العائلة أو على مستوى المحيط المجتمعي، فالطفل يشعر بالدونية وضعف الثقة بالنفس والخجل والقلق والخوف المستمر الذي ينتابه جراء فقدان أمه”.
ويضيف المفتي :” هؤلاء الأطفال هم ضحية لنظرة المجتمع السلبية السيئة، التي لا وزر لهم فيها مع إلصاق الألقاب عليهم، حيث يبقى الطفل منعزلاً، خوفاً من أن يتلقى كلاماً مهيناً من الناس، فتؤذي مشاعره ويتذكر حادثة القتل التي تعرضت لها أمه، فيفضل الانسحاب الذاتي النفسي أو الإجباري”.
أي قانون؟
وفي نطاق عمل السلطات في غزة، يقول الناطق باسم الشرطة الفلسطينية، أيمن البطنيجي، إنهم أوقفوا جميع الجناة مرتكبي جرائم العنف، وفتحوا تحقيقات منفصلة لكل قضية للوقوف على الأدلة وملابسات الجريمة، لتقديم الملفات إلى النيابة العامة التي من شأنها أن تقرر، وتتخذ العقوبة المناسبة.
لكن السؤال يبقى تحت أي قانون ستحتكم النيابة العامة في ملفاتها ضد مرتكبي جرائم العنف الأسرى، فليس في فلسطين أي قانون يحمي النساء داخل أسرهن، وبالعادة، تحتكم النيابة والمحاكم في قطاع غزة إلى قانون العقوبات الذي يعود إلى عام 1936، الذي يعتقد الباحثون في الشأن النسوي الحقوقي أنه بات غير مناسب للفترة الحالية.
وفي نطاق قانون العقوبات الفلسطيني، فإنه يعتمد على لوائح عامة ولا ينظر إلى خصوصية الحادثة، إذ في حال قتل زوج زوجته بسبق الإصرار والترصد فإن عقوبته الإعدام، فيما لو قُتلت جراء الضرب فإن عقوبته السجن مع الأعمال الشاقة لمدة 15 عاماً فقط، وفي حال حصل على براءة دم يخرج لممارسة حياته الطبيعية، وذلك بحسب ما أوضح الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، محمد أبو هاشم.
من ناحيتها أوصت منسقة مشروع حياة لحماية وتمكين النساء والعائلات، تهاني قاسم بضرورة إقرار قانون حماية الأسرة ، معقبةً على موضوع قتل النساء بقولها: “قتل النساء جريمة بشعة لا يوجد مثلها جريمة، سواء على الأبناء مستقبلاً أو على الأسرة التي حدثت فيها جريمة القتل، حيث يعانون من عنف لا يمكن وصفه بالكلمات، ويعانون من وصمة العنف الاجتماعي أيضاً، فقتل النساء غالباً ما يثير ضجة دائما ويفتح باب الأسئلة من المجتمع بأن لماذا تم قتلها؟
وأشارت إلى أن الوضع النفسي يكون صعب للغاية للأخوات أو للأم بعد فقدان الابنة، فما بالكم بالأطفال الذين شاهدوا مقتل أمهاتهم أمام أعينهم؟ أي وضع نفسي سيكون به الطفل؟!
وأوصت قاسم بضرورة تتبع هذه الحالات وتأهيلها نفسياً فهو أمر مهم حصره ومتابعته، خاصةً الأطفال لأنه إما أن يكبر الطفل ويصبح مجرماً أو مريض نفسياً ويجب على المؤسسات جميعها أن تخصص برامج ومشاريع للعائلات التي قتل بداخلها إمراه لأنها تموت بشكل بطيء، كما يجب إقرار قانون حماية الأسرة ليلغي مفهوم العنف من أساسه ومن بدايته قبل تفاقمه ووصوله لحد قتل النساء، فإن تم تطبيق قانون حماية الأسرة بكافه مواده لكان المجتمع خالي من العنف ، فإن كان هناك رادع للمجرمين وتطبيق للقانون عليهم لما تمادوا ووصلوا لحد القتل”.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نحو 35 امرأة قتلت العام الماضي، و50% من المتزوجات في قطاع غزة تعرضن للعنف الجسدي خلال العام الحالي، ونحو 40% منهم مارَسَ أزواجهن ضدهن العنف الجنسي، وأكثر من 90% تعنفن لفظياً، وفضلت 61% من النساء اللواتي تعرضن للعنف السكوت، و24% منهن لجأن إلى بيت الأهل، و1% منهم لجأن إلى الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على مساعدة، فيما تعرضت 378 امرأة للعنف المبني على النوع الاجتماعي.
تم إنجاز هذه المادة الصحفية من قبل مركز الإعلام المجتمعي، وبدعم مباشر من برنامج “سواسية” البرنامج المشترك لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”: تعزيز سيادة قانون في فلسطين.