رحل زميلي بعد يوم شاق من العمل

مها شهوان – CMC

قبل شهرين من الحرب اعدت مؤسستي الصحفية التي اعمل بها خطة لطوارئ في حال وقع عدوان جديد على قطاع غزة ، لاسيما وكانت وقتها تخرج قيادات اسرائيلية تهدد وتتوعد بشن عدوان جديد يبيد قطاع غزة.

حينما عرفت مهامي في الحرب كمراسلة عن منطقة الشمال شعرت بالخوف كونها المرة الاولى التي ساخرج فيها من بيتي في العدوان ، لكن بمجرد اصبح التهديد حقيقة تغيرت خطة العمل فقد كان القصف شديدا مما دفعني لتغير مكان سكني الامر الذي اضطرني للعمل في المكتب البديل.

كانت طبيعة عملي التواصل مع المراسلين وتحديث الاخبار العاجلة أول بأول بمشاركة بعض من زملائي الشباب الذين يأتون صباحا وكان من بينهم زميلي الشهيد محمد ضاهر.

قبل أن نفقده بيوم كنا نعمل سويا وحينما يهدا القصف نأخذ قسطا من الراحة للحديث فقد كان يخبرني أنه يخشى على صغيرته وينتظر انتهاء العدوان لاستقبال طفله الجديد.

كنا في الغرفة نتسامر ونضحك ونغضب حسب الاوضاع التي نعيشها ، فتارة يحدثني محمد ” كيف تأتين لعملك (..) زوجتي ترفض خروجي ” ، وقتئذ غضبت منه وقولت له ” متلي مثلك هنا” ، لكني عدت لاعتذر منه فهو لم يقصد شيئا .

عدنا لمواصلة العمل ومتابعة المراسلين ، وبمجرد أن دقت عقارب الساعة الثانية اشتد القصف وكان الوضع خطيرا في المناطق الشرقية من القطاع ، حينئذ طلب من محمد وبعض الشباب مغادرة المكتب والذهاب لبيوتهم .

بمجرد أن قام محمد واغلق حاسوبه طلبت منه التقاط صورة له لأرشفتها ، لم تعجبه فطلب مني اعادتها جلس على كرسيه وفتح جهازه وراح يتصنع وكانه يطبع بعض الكلمات .

بعدما انتهيت من تصويري طلب مني رؤية الصورة وعلق عليها بالقول ” حلوة .. حطيها لمن استشهد” ، لم اخذ كلامه على محمل الجد ودعته وأرسلت السلام لزوجته .

في صباح اليوم الثاني عدت للعمل وطلب مني زميلي الاتصال بمحمد قائلا :” اتصلي شوفي وين مكان” لاسيما وكان ليلتها مجزرة الشجاعية ، اجبته ” محمد نائم ، أو بكون راح على بيت اهل زوجته” ، لكنني اتصلت به وكان هاتفه يجيب ” لا يمكن الوصول الى الرقم المطلوب” .

حاولت الاتصال به مرتين لكن لم أفلح بأن يجيب علي ، وعدت لعملي وكان شيء لم يحدث ، لكن مساء اليوم ذاته حينما عدت للبيت وفرغت من صلاة التراويح فتحت حسابي الشخصي ” الفيسبوك” ووجدت رسالة تقول ” ادعي لمحمد بالشفاء فهو يرقد بالعناية المركزة”.

حالة من الصدمة انتابتني ” كيف ,ومتى” فهو لا يحب القصف ودوما يهرب إلى الهدوء حاولت أن أتماسك واصلي وادعو له ، لكن ما هي لحظات إلى وأعلن عن استشهاد أمه وأبيه وأخته واخيه وطفلته الصغيرة التي كان قبلها بيوم يتباهى بجمالها امامنا .

بقي محمد اسبوعين في العناية المركزة فيوم يتحدث واخر يروح في غيبوبة ، حتى جاءنا الخير ” ادعو له بالرحمة .. محمد استشهد ” ، وقفت اقلامنا وعجزت ألستنا عن الحديث بكينا وبكينا ، لكننا نهضنا لنكمل مسيرة محمد لفضح ممارسات الاحتلال.

بعد مضي ما يقارب الشهرين على استشهاده عاد محمد إلى الحياة حينما شاءت العناية الالهية ان تحمي زوجته التي كانت تجلس بجانبه حينما قصف بيتهم فبقيت هي وجنينها احياء حتى انجبت صغيرها اليتيم “محمد” أول أيام عيد الاضحى المبارك.

الرابط المختصر : http://ywjournalists.org/ar/?p=381

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى