“اسم مستعار”
غزة – cmc – نورهان المدهون ||وقفت تغني بصوت منخفض في مطبخها المتواضع، وهى تصنع كوباً من الشاى، وضعته على طاولة غرفة الجلوس، وأسندت جهازها المحمول على ركبتيها، وسجلت دخولها إلى حسابها على موقع التواصل الإجتماعي” الفيسبوك”، باسمها المستعار “Free Palestinian “.
الناشطة الشبابية “رنا” 27 عاماً، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، اختارت لنفسها هذا الاسم الوهمي، هروباً من واقع أجبرها على ذلك، بعد أن تم استدعائها لمركز الشرطة على خلفية نشر بوستات وصفوها بـ”الجريئة”.
تقول:” عملت كمتطوعة في العديد من المؤسسات والجمعيات، وشاركت في الأنشطة والفعاليات والإعتصامات، وكنت الأكثر قرباً من القضايا المطروحة على الساحة الفلسطينة، وشاركت العديد من البوستات ضد الإنقسام ، وأملاً في إتمام المصالحة”.
وتكمل:”أُبتليت الساحة الفلسطينية بالفصائل والأحزاب المتناحرة، ووصل التردي الفصائلي إلى وضع تقزمت فيه القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، وتضخمت الذات الفصائلية، ودخل شقي الوطن في أزمة عميقة جراء الإحتكام إلى السياسة الحزبية”.
رأت “رنا” وأمثالها من الشباب الفلسطيني، ضرورة الإنتفاض والمشاركة عبر العالم الإفتراضى وأرض الواقع؛ من خلال الإعتصامات وإطلاق الهشتاقات التي تبذ الفصائلية والحزبية والإنقسام، وتدعوا إلى وحدة الصف الفلسطيني، ولكنها صدمت في واقع يُسكت الأفواه التي تقول كلمة الحق.
تتابع في غصة: “الخوف من الإستدعاء والإعتقال، هو سبب التخفي وراء اسم مستعار، أعبر من خلاله عما يجول في خاطرى، ومايدور حولى من أحداث بحرية وجرأة”.
تتلفت”رنا” حولها وقد بدا الخوف على ملامح وجهها، قائلة: “عندما تم استدعائى من قبل الأمن في قطاع غزة، ذهبت للتحقيق، وأُتهمت بوجود من يحرضنى على الكتابة ومهاجمة الحكومة”.
تبتلع ريقها وقد استحضرت ذلك الموقف “دافعت عن نفسي ونفيت كل الاتهامات التي وجهت لي، وخرجت من هناك أُجر أذيال الخيبة “.
شعرت ” رنا” بالدهشة والاستغراب، عندما حذرها المحقق من كتابة البوستات، ووصف عائلتها ووالدها بـالمحترمين وهى من تلطخ سمعتهم الطيبة بأفعالها الشيطانية –على حد وصفه-.
تمسك بكوب الشاى وترتشف، وبتنهيدة تتابع: “انهالت عائلتي بتوبيخي وتحذيري من الكتابة في الشأن السياسي، وهددني والدي بحرماني من العمل والمشاركة في الأنشطة المجتمعية والاعتصامات، وأقسم أن يجعلني حبيسة البيت، في حال عاودت الكتابة وأُستُدعيت للتحقيق”.
تسلل الضعف والعجز إلى نفس رنا، وبدأت بالإنهيار وفقدان القدرة على المواجهة، عندما أُجبرت على توقيع تعهد بعدم النشر ضد الحكومة، مقابل إطلاق سراحها، حيث تم إعداد ذلك التعهد من قِبل رجال الأمن بعد إنتهاء التحقيق، ولم يُسمح لها بقراءته جيداً، والتمعن في بنوده.
تحرك أصابعها بخفة على لوحة مفاتيح جهازها المحمول، وتتوقف قائلة: “واجهت العديد من المعوقات، من أقرب الناس لي، وشعرت بالضيق من ردة فعلهم نحوي، وأيقنت إذا استمريت على هذا النحو سأفقد ماتبقى من طاقتى الإيجابية وستحل السلبية مكانها، لذلك اخترت اسماً مستعاراً أتحدث من خلاله”.
واجهت الناشطة رنا اعتراض الأهل والأصحاب على ما تكتب من منشورات على مواقع التواصل الإجتماعى، وامتنعت عن الرد على تعليقات متابيعها المسيئة، وتجاهلت الرسائل التهديدية بإختراق حسابها.
وتردف “رنا” آسفة على ماآل بها الحال: “بهذا الاسم المستعار أشعر وكأننى في حفلة تنكرية، فهو وليد الحاجة، ويكف عنى شر أعداء الكلمة الذين تكاثروا ليكمموا أفواهنا”.
يبدو أن قدما “رنا” تنملت، لجلوسها فترة طويلة دون حركة، فأبعدت جهازها المحمول من حجرها، وعدلت جلستها، وتركت العنان لأمنياتها بمشاركة اسمها الحقيقى مع متابعيها، وممارسة حقها فى التعبير عن رأيها دون خوف، واحترام انضمام دولة فلسطين للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام2014، والذى تنص مادته(19) على حق كل إنسان إعتناق الآراء دون مضايقة.
صدرت هذه القصة ضمن مشروع ” الشابات يناصرن حقوقهن كحقوق انسان” @2018