حرب على بلدية جباليا… شهداء وإصابات وضياع آلات

حرب على بلدية جباليا… شهداء وإصابات وضياع آلات

جباليا- هيا بشبش:

كانت الساعة الواحدة والنصف فجرًا، حين توجّه هاني علوان إلى عمله في البلدية، وقبل أن يُخرج سيارة (المانوف) الخاصة بالعمل، من كراج الدفاع المدني حيث تتواجد هناك، ترجّل موظفان لفحص عجل السيارة، وخلال لحظاتٍ استهدف صاروخ إسرائيلي السيارة، واستشهد هاني فورًا.

مقالات ذات صلة

هكذا روت جواهر علوان (47 عامًا)، ما حدث مع زوجها هاني (49 عامًا) وهو أحد موظفي بلدية جباليا شمال قطاع غزة، والذي استشهد أثناء قيامه بمهام عمله خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت منذ 7 أكتوبر 2023م، تاركًا زوجته و11 ابنًا (6 فتيات و5 ذكور).

“كان ذلك يوم 18 نوفمبر 2023م، منذ ذلك الحين وأنا وأبنائي نعيش على المساعدات، غاب عمود الدار، ومن يومها لم نشهد يوم راحة، فصل الصاروخ رأسه عن جسده كما عرفت لاحقًا، نزل الخبر عليّ أنا وأولادي كالصاعقة، هرعنا للبحث عنه فأخبروني أن موظفي الدفاع المدني دفنوه”، تقول جواهر ثم تبكي بحرقة.

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023م، عانى موظفو بلديات قطاع غزة أثناء مواصلتهم عملهم، خاصة في شمال القطاع الذي أَجبر الاحتلال المواطنين على النزوح منه إلى الجنوب، لكن مئات الآلاف رفضوا النزوح ومنهم موظفي بلديات مثل هاني.

تقول جواهر:” كان الوضع خطيرًا يومها، نزحت مع أبنائي إلى غرب مدينة غزة، هاتفت مدير زوجي في العمل، وأخبرني أنه بإمكاني البحث عن مكان قبره بعد أن يهدأ القصف”.

فقدت جواهر زوجها وحُرمت هي وأبنائه حتى معرفة مكان دفنه، تمسح دموعها وهي تكمل: “حين عدنا إلى جباليا أخبرنا أحدهم إنه دُفن في مقبرة جباليا، توجهت إلى هناك فوجدت أن الاحتلال جرّفها، حتى رجال الدفاع المدني الذين دفنوه استشهدوا جميعًا، وبات معرفة مكان قبره مستحيلًا”.

حِملٌ ثقيلُ عاشته جواهر وهي تفرّ بأبنائها من مكانٍ لآخر في ظل مجاعة اجتاحت شمال قطاع غزة، بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، فاضطرت للصوم كي تطعم أبناءها، خاصة طفلها البالغ ثماني سنوات، والذي عانى مضاعفات صحية بسبب المجاعة، فأرسلته أمه مع عمته إلى جنوب قطاع غزة.

أما محمد عبيد وهو أيضًا أحد موظفي بلدية جباليا، فقد تعرّض لإصابةٍ بطلقٍ ناري من طائرة مسيّرة خلال عمله، “يوم 11 مارس 2024م، كان أول أيام شهر رمضان، وأثناء الدوام الليلي في مضخة بركة أبو راشد بمعسكر جباليا، أصابت رصاصة ركبتي وتعرّضت لتمزّقٍ في الأعصاب، كادت أن تقطع قدمي”، يقول محمد.

يشير عبيد إلي العلامة الواضحة التي تركها الطَلق الناري قرب رُكبته، ويضيف:” أربعة أشهر استغرق علاجي، حتى تماثلت للشفاء، وأصبح باستطاعتي المشي بصورة سليمة، إلا أن الألم لم يشفى تمامًا بسبب تمزق الأعصاب الذي بقي أثره إلى اليوم”.

وأكد عبيد أنه عاد لعمله بعد الإصابة بشهر، لكنه تحوّل للعمل المكتبي نتيجة الإصابة، يقول: “حين نزحنا إلى غرب غزة في مايو 2024م، كنت أعاني من الجرح الذي تركه الطلق الناري، لم أستطع مساعدة أطفالي في النزوح، ولا تأمين الطعام والمياه لهم، كلنا اعتمدنا على زوجتي، وبعض الأشخاص الذين قدموا لنا المساعدة، وبعد 21 يومًا عدت لمنزلي في جباليا”.

ويؤكد عبيد محاولة جيش الاحتلال استهداف آلياتٍ ومباني ومضخات تابعة للبلدية، حتى بعد التنسيق مع المؤسسات الدولية، يكمل: “يتم التنسيق لسيارات البلدية مع الجهات الدولية، إلا أنه وأكثر من مرة يتم استهدافنا أثناء عملنا”.

هاني علوان، هو واحد من (24) موظفًا من بلدية جباليا، فقدوا حياتهم أثناء حرب الإبادة، مثلما يوضّح سعدي الدبور، مدير العلاقات العامة في البلدية، إضافة إلى خمسين أصيبوا إثر تعرّضهم للقصف من طائراتٍ حربية، مشيرًا إلى أن البلدية تحاول مساعدة أسر الشهداء.

ويضيف الدبور: “تعرضت بلدية جباليا للتدمير في ديسمبر 2023م، وتعرّض كراج البلدية للقصف مرتين، الأولى في ديسمبر 2023م، والثانية يوم 21 إبريل 2025م، كما دمّر 85% من معدّات البلدية خلال استهدافه للكراج، ما ينذر بكارثة صحية وإنسانية، تتمثل بتفشّي أمراض يصعب السيطرة عليها في ظل استهداف القطاع الصحي بغزة، مع انتشار النفايات ومياه الصرف الصحي ورائحة البارد وآثار الركام”.

ويخالف ما تعرّضت له بلدية جباليا وموظفيها اتفاقية جنيف الرابعة، وخاصة المادة (32) التي تحظر جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين، كما تنص المادة (61) على أن تعمل جميع الأطراف المتعاقدة على السماح بمرور رسالات الإغاثة عبر أراضيها ونقلها مجانا في طريقها إلى الأراضي المحتلة.

ودعا الدبور المنظمات الدولية والإنسانية التي خالف الاحتلال مواثيقها إلى التدخّل الفوري للضغط من أجل إنهاء الحرب، وإدخال الأدوات والمعدّات اللازمة لعمل طواقم البلدية، المنوط بها إزالة الركام وتنفيذ حملات ومشاريع جمع وترحيل النفايات، وصيانة شبكات المياه والصرف الصحي، وإعادة تأهيل الشوارع المدمّرة لتفادي كارثة بيئية وإنسانية متوقعة، والتحسين من الواقع البيئي والصحي والمعيشي في جباليا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى