مزارعات غزة.. عين على المحصول وأخرى تراقب البندقية
رفح- رغدة ماضي :
“خائفة أو غير خائفة، ليس أمامي خيارٌ سوى مواجهة الموت ومواصلة العمل تحت الخطر”، بهذه الكلمات استهلت المزارعة فاطمة البهداري حديثها لمركز الإعلام المجتمعي، واصفةً الخطر الذي تتعرض له أثناء عملها في أرض زراعية شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
تقول البهداري “52 عامًا، :(أم لسبعة أبناء): “عند خروجي إلى العمل صباحًا أودع أبنائي، أزرع وأقلع ويدي على قلبي، في كل لحظة أخشى أن تصيبني رصاصة، لا أشعر بالأمان على حياتي وأعيش حالة خوف دائم، لكن الفقر يدفعني للعمل من أجل توفير احتياجات أسرتي”.
البهداري واحدة من آلاف النساء الفلسطينيات اللاتي يعملن في حقل الزراعة شرق قطاع غزة، يواجهن يوميًا خطر الموت أثناء عملهن، حيث تتمركز آليات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية على طول الأسلاك الشائكة التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، والتي يصنفها بأنها مناطق مقيّدة الوصول، حيث يطلق الرصاص بشكل شبه دائم ويرشّ هذه الأراضي بالمبيدات السامة، وكلها ظروف تُعرّض المزارِعات للخطر، وتُفقدهن الشعور بالأمان.
وفقًا لنتائج مسح أجراه مركز الميزان لحقوق الإنسان، رصد واقع الفلاحات خلال السنوات الماضية، بيّن أن فلاحة قُتلت نتيجة لإطلاق الرصاص من قبل قوات الاحتلال شرق قطاع غزة، وأصيبت ثلاث أخريات عندما حاولن الوصول لحقولهن القريبة من السياج الفاصل، كما تكبّدت (29) فلاحة خسائر وأضرار في أراضيهن الزراعية.
وبصوت متقطّع مرهق ختمت: “أيدينا على المحاصيل وعيوننا نحو جيبات الاحتلال نترقب كل حركة منها، حياتنا محصورة بين الدبابات ولقمة العيش، نواجه الموت في كل لحظة”.
معاناة مشابهة تعيشها الأربعينية خديجة عبيد، وهي تمتلك أرضًا زراعية شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، فقد تعرّضت لخسارة مادية كبيرة نتيجة عمليات تجريف الأراضي الزراعية التي تقوم بها آليات الاحتلال شرق قطاع غزة، ورشّ طائراته الحربية للأراضي بالمواد الكيماوية السامة التي تُتلف المحاصيل، كل هذا إلى جانب فقدانها الشعور بالأمان الشخصي نتيجة إطلاق النار المتكرر.
تقول عبيد: “اضطررت رغمًا عني للاستغناء عن عاملَين بعد أن تكبّدت خسائر كبيرة بسبب توغل آليات الاحتلال في أرضي وتخريبها، وهو ما يجعلني غير قادرة على الوصول للأرض”.
تبيّن إنها تعاني كما غيرها من المزارعات انقطاع التيار الكهربائي الذي أثّر على العمل بشكل كبير، وجعلها غير قادرة على ريّ أرضها، بالإضافة إلى القيود التي يفرضها الاحتلال على دخول الوقود لمحطة توليد كهرباء غزة.
تقول نهى الشريف، منسقة المناصرة في الإغاثة الزراعية، إن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب العديد من الانتهاكات بحق المزارعات الفلسطينيات خاصة في المناطق الشرقية لقطاع غزة.
فالمزارعات يتعرضن لإطلاق النار بما يعرض حياتهن للخطر، وإتلاف المزروعات نتيجة لرش الأراضي الزراعية من قبل طائرات الاحتلال بالمبيدات السامة، ما يَحول دون قدرة النساء على الوصول إلى أماكن عملهن في الزراعة، وتوضح الشريف إن هذا انتهاك خطير للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان ترتكبه قوات الاحتلال بشكل مستمر بحق المزارعات الفلسطينيات.
تشير الشريف إلى أن اعتداءات قوات الاحتلال أثّرت على حياة النساء العاملات في الزراعة من خلال تضييق السبل والحركة سواء بالوصول إلى الأراضي وزراعتها أو تسويق المنتجات، كما أن النساء أصبحن غير قادرات على الإنتاج بشكل طبيعي بسبب عدم قدرتهن على ممارسة الزراعة، ما دفع الكثيرات للتوقف بسبب المخاطر المحيطة بالعمل الزراعي.
تعاني المزارعات، كما توضح الشريف، بشكل مستمر من القلق الدائم والاكتئاب، ويواجهن ظروفًا معيشية صعبة مما يعمّق إحساسهن بالقلق وغيره من المشاكل النفسية، وهذا يتسبب في شعورهن بالتوتر على الدوام، الأمر الذي انعكس سلبًا على حياتهن الاجتماعية وعلاقتهن بأطفالهن وأزواجهن، فصحتهن النفسية تأثّرت بشكل واضح، وتأثرت معها الأسرة باعتبار أن المرأة مسؤولة عن واجبات رعاية البيت وأفراد العائلة.
تشدد الشريف على ضرورة الضغط على المنظمات الدولية من أجل توفير الحماية للمزارعات الفلسطينيات ووقف انتهاكات الاحتلال بحقهن، وتمكينهن من الوصول الآمن إلى أراضيهن الزراعية وجني المحاصيل، وتسليط الضوء بشكل دوري ومنهجي على واقع المناطق مقيّدة الوصول ومستوى التنمية الزراعية فيها، وتوفير شبكة أمان وحماية للطبقة العاملة هناك، وفضح جرائم الاحتلال وتوثيقها عبر قصص صحفية تناصر الريفيات
هذا ويذكر بأن القانون الدولي الأنساني وحماية المدنين في النزاعات المسلحة وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي وتحديداً المادة ” 51″ منه ذات أهمية في التأكيد مجدداً على مبدأ كفالة حقوق المدنيين وحمايتهم في ظل الظروف الغير عادية أو الاستثنائية حيث نصت المادة على أنه يتمتع السكان المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن الاعمال العسكرية، وهو ما يتنافي مع ما يتعرض له المزارعون والمزارعات في قطاع غزة وخاصة في المناطق مقيدة الوصول.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.