أطفال نهش الجوع أجسادهم: “نفسنا في اللحوم”
أطفال نهش الجوع أجسادهم: “نفسنا في اللحوم”
خانيونس – دعاء برهوم:
الجوع يقتلنا”، بهذه الكلمات، بدأت الطفلة حنين عزام (13 عامًا) سرد معاناتها في الحصولِ على الطعام منذ 18 شهرًا، بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعابر قطاع غزة، وندرة السلع المتوفرة في السوق، وغلاء سعر المتوفر منها.
تقول حنين: ” لا خيار أمامنا إلا الاصطفاف كل يوم على التكية للحصول على طبق من الطعام يسدّ جوعنا، رغم أنه لا يكفي لعائلة مكوّنة من سبع أفراد”.
منذ شن الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023م، يعيش أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة معاناة ندرة الطعام، وتعتمد أغلب العائلات التي أُجبرت على النزوح على ما توفره التكيات في المخيمات والذي يغلب عليه المعلبات.
تقول حنين التي تعيش في خيمة بمخيم في منطقة مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة: “حياتنا تغيرت في الحرب، كنا نأكل أفضل الطعام والفواكه في بيتنا، كانت أسعارها مناسبة، اليوم نجد صعوبة في شراء الخضار، حتى الدقيق سعره مرتفع ولا نستطيع شراءه، لأن والدي بلا عمل”.
تكمل: “تعبنا من هذا الوضع الذي سبّب نقصان وزني، وجعل جسدي هزيلًا لا أستطيع أحيانًا حمل جالون المياه، بسبب عدم توفر الغذاء الذي يقوّي جسدي، الحرب أهلكتنا وجعلتنا نقوم بأعمال غير مناسبة لعمرنا”.
كانت حنين تعيش حياة مرفهة مع عائلتها، نزحت أكثر من مرة حتى استقرّ حالها في مواصي خانيونس، وتحولت من طالبة تجلس بين الكتب إلى طفلة تقف ساعاتٍ أمام التكية، وفرن الطين الذي تنبعث منه رائحة الدخان المهلك لصحتها.
بوجهٍ عابسٍ تقلّب حنين صورًا من الماضي عبر هاتف والدها حيث الرحلات العائلة، وتقول: “نفسي في الدجاج أو أي شي عليه لحمة، نفسي في الشيبس والعصر والشوكولاتة، كله انحرمنا منه بدون ذنب”.
منذ اندلاع حرب الإبادة، يعيش الأطفال حياة تفتقد الطعام الصحي، ويضطلعون بمهام حمل أواني الطهي والاصطفاف في طوابير التكيات تحت أشعة الشمس وفي الشتاء، محرومين من الغذاء الصحي المتنوع.
على باب خيمته، ينتظر رامي أبو سيدو (10 أعوام) موعد تجهيز طعام التكية، ليذهب وأقرانه يحملون أواني بلاستيكية غير مخصصة للطعام، لتعبئتها بما صنعته التكية من وجبةٍ طعام متكررة، لا تشبع ولا تفيد.
يقول رامي: “سلبت الحرب طفولتنا، وشكلت خطرًا على أجسادنا، أصبحنا غير قادرين على شيء رغم أننا أطفال، عشنا منذ بداية الحرب داخل الخيام، بعد أن كان لدينا بيت في النصيرات وسط قطاع غزة، وحياة كريمة يتوفر فيها كل شيء، الآن تغير الحال، والمدارس أصبحت مراكز إيواء، والنوادي تدمّرت وكتبنا احترقت”.
يضيف: “نبحث منذ الصباح بين الخيام على تكية تعدّ طعامًا كي نحصل على وجبة واحدة، لأن معظمها أغلقت بسبب عدم توفر أساسيات الطعام لأعداد النازحين، المجاعة تجاوزت كل شيء، ونفد ما في الأسواق، حتى المعلبات شحيحة وباهظة الثمن”.
يتنهد ويكمل: “لم نمت من القصف، لكن سنموت جوعًا، أطفال العالم يأكلون ويلعبون ونحن نبحث عن وجبة نأكلها لنقوى على مشقة الحياة التي صنعتها الحرب في خيام النزوح”.
حالة التعب والإرهاق تبدو ظاهرة على ملامح رامي البريئة الذي يستيقظ ليلًا أكثر من مرة بسبب الجوع، فوجبة واحدة فقط هي ما تستطيع والدته تقديمها، نتيجة عدم وجود مساعدات لأكثر من وجبة.
كان رامي يحلم أن يصبح بطلًا في كمال الأجسام، ما زال وزنه ينقص وتتدهور صحته لعدم توفر الطعام والفيتامينات التي تقوى الجسم، ما أصابه بالهزال.
يمضي الأطفال يومًا كاملًا دون تذوّق الطعام بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على المعابر، فالجوع والعطش ينهشان أجسادهم النحيلة، ولا يستطيعون تناول العناصر الغذائية الكافية لضمان نموهم بشكلٍ صحي.
يقول علي محسن (7 سنوات): “كل يوم نعيشه في غزة هو صراع من أجل البقاء، بحثًا عن الغذاء والماء، والأمل الوحيد للخروج من الأزمة هو وقف الحرب، والعودة لحياتنا السابقة”.
يضيف: “قبل الحرب كنت أذهب وعائلتي إلى المطاعم، نتنازل الطعام والشراب، اليوم لا نستطيع الحصول على وجبة طعام”.
يكمل علي: “نزحت مع عائلتي من مدينة رفح في مايو 2024م، إلى مواصي خانيونس، حُرمت من إكمال تعليمي، وأصبحت حياتنا طول اليوم البحث عن دور تكية قريب، ثم العودة بسرعة إلى سيارات المياه لتعبئة الجالونات”.
ويتنافى ما يتعرض له الأطفال في قطاع غزة، مع اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي أكدت في مادتها (23) مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشر، والنساء الحوامل أو النفاس، كما أكدت المادة (55) على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.
ويضع تراجع المخزون الغذائي آلاف الأطفال في قطاع غزة أمام خطر مجاعة تهدد جيلًا كاملًا وتؤثر على صحتهم لسنوات، بسبب الحرب، وقالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن 60 ألف طفل في القطاع يواجهون مضاعفات صحية خطيرة نتيجة سوء التغذية.
بوجه شاحب وجسد نحيل يختم علي: ” التكية تقدم طعامًا متكررًا طيلة أيام الأسبوع لا يستفيد منه الجسم، فالمجاعة بدأت تنتشر بين الخيام، وأصبحت الناس تتزاحم على التكية التي كانت توزع لعدد أقل، واليوم توزع لآلاف الناس ولا يكفي للجميع، وبعضهم يعود بأواني فارغة إلى خيمته”.