ولاء تتحدى النزوح ومن عيون سارة تلتقط الأمل
رفح – هبة الشريف:
تنشغل الشابة ولاء جابر (27 عامًا)، بتجهيز طلبات الزبائن من المعجّنات والفطائر، في مكان نزوحها بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
ترسم الشابة ابتسامة مصطنعة على وجهها تخفي خلفها معاناة النزوح، ومرض زوجها وتأخر تحويلته الطبية، إلى جانب كونها وضعت طفلتها الأولى سارة حديثًا.
أكملت تحضير الطلبية الأولى لهذا اليوم، ثم اعتدلت في جلستها وهي تروي قصتها: “نزحت مع زوجي من منطقة التوام شمال قطاع غزة إلى جنوبه، خشية على عائلتي، فزوجي تم تشخيصه بمرض السرطان قبل شهرين من اندلاع الحرب، وكان قد بدأ خطوات علاجه الأولى، لكن سرعان ما أوقفت الحرب كل شيء”.
وتم تشخيص زوج ولاء بنوع نادر من الأورام اسمه السرطان الشحمي، وكانت إجراءات التحويل للعلاج خارج قطاع غزة قد بدأت؛ لكن تعثرت التحويلة إثر اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023، وإجبار الاحتلال لأكثر من مليون إنسان على النزوح إلى جنوب قطاع غزة في مخالفة واضحة لبنود اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري.
“منذ رحلة النزوح إلى رفح وحياتي انقلبت رأسًا على عقب، رغم أني أعيش في بيت يأويني؛ لكن التفكير في حياتي السابقة وفقدان كل شيء أمرٌ مرهق للغاية” تقول ولاء.
رفضت الشابة التي نزحت وهي حامل في شهورها الأخيرة، الاستسلام للواقع الجديد خاصة مع فقدان زوجها لعمله، فداخل غرفتها المستأجرة افتتحت مشروعًا صغيرًا علّه يوفر لها القليل من الدخل.
توضح: “بدأنا المشروع باستدانة مبلغ بسيط وإنشاء بسطة أمام البيت الذي نزحت إليه، كنت أبيع المعجنات والفطائر الساخنة التي أصنعها يدويًا، ولاقى المشروع رواجًا ونجاحًا منذ انطلاقه؛ خاصة أن الناس حُرمت هذه الأشياء منذ بداية الحرب، كما أن الأسعار كانت مناسبة”.
وبغصةٍ تضيف أن مشروعها واجه عدّة إشكاليات، أولها عدم توفر غاز الطهي وارتفاع أسعار المواد اللازمة لصنع المخبوزات مثل الزيت والدقيق، والاحتياج اليومي لغسل عدد كبير من أوراق السبانخ والأواني في ظل شحّ وندرة المياه، وكثيرًا ما تسبب ذلك في توقّف مشروعها لأيام إلى حين تخطّي العقبات.
تكمل: “كنت حاملًا في أشهري الأخيرة، ولم أجلب معي ملابس للطفلة المنتظرة، خرجت من بيتي دون وعي تاركة خلفي كل شيء، حين جاءنا التحذير بإخلاء المنطقة، ولم أجلب حتى ملابس لطفلتي الأولى، بعض الجيران في مكان نزوحي وفروا لي القليل من قطع الملابس، فالأسواق كانت فارغة من كل متطلبات حديثي الولادة، وإن تواجدت فالأسعار باهظة جدًا”.
تتابع: “لا أنسى ذلك اليوم الذي لم أحصل فيه ولو على قسط من الراحة، حين جاءني المخاض وأنا أجهّز بعض الطلبيات، فلا مجال للتوقّف ولو قليلًا إلا بعد تجهيز كامل الطلبية وتسليمها”.
كان يومًا شاقًا، منذ بدأته بالعمل حتى وصولها إلى قسم الولادة مرورًا بطرقات مزدحمة لعدم توفّر المواصلات، وبعد معاناة الجلوس ليلة كاملة على كرسي غير ملائم في مستشفى مكتظ لا يمكنه توفير الرعاية الكاملة لامرأة تضع مولودها خلال الحرب، ووسط هذا الواقع المظلم رأت طفلتها الأولى سارة النور.
تمرر يدها على رأس سارة، ترسم ابتسامة أمل وهي تكمل: “ما أتعبني حقًا غياب أهلي عن هذا اليوم، فالحرب باعدت بيني وبين أخواتي وأمي، وبقيت دون مرافقتهن لي داخل أروقة المستشفى، كنت بحاجة لهن، قضيت الليل أدعو الله أن يقويني على هذه اللحظات القاسية”.
معاناة النزوح تشكّل عبئًا نفسيًا وجسديًا كبيرًا على ولاء، خاصة في ظل مرض زوجها وعجزه عن العمل، واضطرارها لنقل المياه يوميًا من خلال دلو إلى الطابق الخامس حيث تقطن في البيت المستأجر، وهي التي اضطرت للعودة إلى العمل منذ اليوم الثاني لولادتها، فمن أجل زوجها وطفلتها تتحمل كل شيء.
وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة الحق في تلقي الرعاية الصحية المناسبة للمرضى وكذلك عدم استهداف المستشفيات وأماكن الاستشفاء.
تختم ولاء وعيناها تذرفان الدمع: “أشعر أن كل ما أمرّ به من صعوبات هيّن أمام عجزنا عن الحصول على تحويلة طبية لزوجي المصاب بنوع نادر من السرطان، نحن بحاجة إلى تحويلة طبية لإنقاذه، حالته تتفاقم يومًا بعد يوم وهذا كله يؤثر على صحته ومصيره”.