زيجتان وطلاق، “طفلة في ثوب أم”

غزة/ بقلم: هيا بشبش

“يا قاضي يا قاضينا، يللي بالحق ترضينا، جئتك مظلومة، أهلي زوّروا شهادة ميلادي حتى يزوجوني، وجئتكم وكلّي أمل تنصفوني”.

بهذه الكلمات نطقت “آلاء” أمام القاضي الشرعي ملخصةً مأساتها عندما أجبرت على الزواج وهي طفلة تبلغ 14 عامًا، حكم بتخليصها من هذه الحياة وحفظ حقوقها الشرعية، كانت هذه أول انتصارات بطلة قصتنا؛ التي ملأت شهادات الأسى حياتها، رغم أنها بالكاد دخلت العقد الثاني من العمر.

تروي “آلاء” لمركز الإعلام المجتمعي قصتها: “أمي هي أولى زوجات أبي الثلاث وأعيش في جباليا شمال قطاع غزة، لديّ 14 شقيقة وخمسة من الأشقاء وفي قانون أبي فإن الوقت المناسب لزواج الفتاة هو سن البلوغ أي يبدأ تقريبًا من 12 عامًا، فالبنت طريقها الوحيد هو بيت الزوج حسب اعتقاده”.

عندما بلغت 14 عامًا، تقدّم لخطبتها شاب يكبرها بـ 13 عامًا، رأي فيه والدها عريس مناسب “لقطة”، ورغم أن “آلاء” ما زالت ترى نفسها طفلة، لكنها وافقت تِبعًا لموافقة الوالد ولم تكن تعلم عن الزواج سوى الحفل البهيج الذي كانت تشاهده والفستان الأبيض ولصغر سنّها، قام الأب بتعديل شهادة ميلادها إلى 16 عامًا، كي يتم الزواج حسب القانون الفلسطيني.

ضمّت رضيعها إلى صدرها في محاولة لمعرفة سبب بكائه المتواصل، هدهدته وأكملت: “هذا طفلي الأول من زوجي الثاني، سأروي لكم القصة”.

اعتدلت في جِلستها، ووضعت رضيعها في سريره، بعد أن نام، تنهدّت وتابعت: “مرّت مراسم الزواج سريعًا ولم أعيها تمامًا، فقد بدأت بعدها مراسم التعذيب النفسي والتعنيف اللفظي والجسدي، فكنت أُضرب بكل الأدوات التي تطالها يد زوجي وأتعرض الى الكثير من الإهانات والإذلال والألفاظ الجارحة سواء كنّا وحدنا أو أمام الناس، لم يبقَ في جسمي مكان إلا وطاله العصي والحزام الجلدي”.

كشفت كتفها وأشارت إلى ندبة واضحة لآثار ضرب قديم وقالت: “هذه العلامة لإحدى الجروح التي لم تمحُها الأيام من زوجي الأول، في كل مرّة كنت أهرب إلى بيت والدي يعيدني لزوجي بحجة أن على المرأة أن تتحمل زوجها وأحيانًا ينتظره ليأتي ويعديني إليه فورًا”.

بعد زواجها مباشرة، حملت “آلاء” بطفلها الأول ونتيجة لصغر سنّها والعنف اللفظي والجسدي الذي تعرضت له وسوء التغذية وُلد طفلها مصابًا بنقصٍ في هرمون النمو وفشل كلوي ووضعت بعده مباشرة طفلين آخرين مصابين بنقص في هرمون النمو، إذن بعد أن عانت آلام مخاضٍ لا تقوى عليها، فإن على الطفلة الأم؛ رعاية ثلاثة أطفال مرضى وتحمّل ما تتعرض له من تعنيف في ذات الوقت!

ورغم تراجع نسبة التزويج المبكّر، إلا أنها ما زالت تصل إلى 20% في فلسطين وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2018، بينما سجلت وزارة الصحة في قطاع غزة ما نسبته 3-4 % حالات حمل دون سن 18 عامًا، بينهم 1.7% لحالات دون سن 16 عامًا، وفق بيانات عام 2021م.

بعد أن تحوّل ضرب “آلاء” إلى أمرٍ روتيني، فرّت ذات مرة إلى والدها وتوسلت له ألا يعيدها لزوجها، فقد كانت تنزف دمًا، هذه المرة قرر الأب عدم إرجاعها إلا بتعهّد أمام وسطاء بعدم ضربها وقد حدث، لم يمرّ شهر إلا وعادت إلى أبيها مصابة بعدة كدمات وجروح وهنا لم يعد هناك مفرّ من الطلاق.

تكمل: “عندما سمع القاضي كلامي وعلِم بما أتعرّض له من ضرب وما قام به أهلي من تزوير لشهادة ميلادي من أجل تزويجي، حكم بالطلاق وبحفظ كل حقوقي وبعد معاناة استمرت لسنوات نلت حريتي وعدت لبيت أهلي أكاد أطير من الفرح، كنت عازمة على ترميم روحي وبدء حياة جديدة ولكن فرحتي لم تدم طويلًا!”.

توجّهت إلى خزانة ملابسها وأخرجت ألبوم صور، فتحته وقالت: “هذه صور زواجي الثاني! بعدما أنهيت أيام العدّة الشرعية، زوّجني أبي فورًا من زوجي الثاني، لم ينتظر ولو ليومٍ واحد وبنفس الحُجّة القديمة، البنت ليس لها إلا بيت زوجها، هذا مولودي الأول من زوجي الثاني الذي لا يختلف كثيرًا عن سابقه”.

الفرق بين الزوجين حسب ما تذكره “آلاء” أن الأول يبدو أمام الناس بمظهر الشخص المحترم مربّي الأجيال، أما الثاني فالجميع يعلم إنه مدمن “ترامادول” ولكن هذه المرّة يتفاوت التعنيف اللفظي والجسدي بحقي حسب ما يتناوله زوجي من جرعات “الترمادول”.

تختم: “رماني أبي لهذه الزيجة بحجة أنه لا أحد سيتزوج من أم لثلاثة أطفال، رغم أن أطفالي مع أبيهم وقد حُرمت منهم، والدي أخبرني أن هذه المرة لن يكون هناك طلاق، فهو لن يقبل أن تكون ابنته مطلقة مرتين!”.

ويعتبر “الترمادول” مادة مخدرة تسبب الإدمان وممنوعة تداولها سوى في الحالات الطبية وبموافقة الطبيب وبالتالي يتم التعامل مع متعاطيها بشكل غير قانوني كمدمن مخدرات فاقد الأهلية ويجب أن يتم عرضه على الأطباء المختصين لتلقي العلاج بأسرع وقت ممكن لما يشكله المتعاطي من خطورة على الأسرة.

ويجهل الكثير من الآباء والعائلات مدي خطورة بقاء بناتهن مع أزواج مدمنون على تعاطي المواد المخدرة ولذلك هناك حاجة ماسة للتعامل مع مثل هذه الحالات المنتشرة الى حد ما في المجتمع، وهناك الكثير من النساء تفضل الصمت على ازواجهن خوفاً من المصير المجهول، كما ويعاني المجتمع من قلة الوعي الجمعي بخصوص حالات الإدمان ومدي الخطر الناجم عنه ولذلك يجب تكثيف الجهود المشتركة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية لنشر الوعي بين الجمهور ومحاربة آفة الإدمان بكل صورها.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى