ندرة (الديسفيرال) تضع سوسن في مواجهةٍ مع الموت

غزة/ بقلم: هيا بشبش

“صوريني بكرا بتبقى الصورة الذكرى الوحيدة”، قالتها الشابة “سوسن”، وأضافت: “ربما تكون كلماتي الأخيرة نتيجة نقص علاج الثيلاسيميا وانعدامه في معظم الأحيان”.

“سوسن” “31 عامًا”، هي شابة فلسطينية وُلدت مصابة بمرض الثيلاسيميا، تعيش في مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، مع عائلتها المكوّنة من أب وأم حاملين للمرض و7 أبناء أربعة منهم مرضى بذات المرض وتوفي شقيقهم الأكبر بسببه.

تشير “سوسن” إلى لون بشرتها المختلط ما بين الأسود والبني الداكن والباهت من كل معالم الحياة: “هذا لون بشرتي دون علاج، لا لون لنا ولا صوت، نتحوّل إلى أشباح، هذه البشرة الشاحبة واللون الداكن دليل قاطع على انعدام وجود الدواء الذي يكلف العائلة ألفي شيكل شهريًا لي ولإخوتي، رغم أننا لا نوفّر كل الدواء اللازم، نأتي فقط بما يبقينا أحياء كي لا نلقى ذات مصير شقيقنا”.

تجلس الشابة “سوسن” معظم الوقت على كرسي متهالك في بقالة صغيرة تملكها، حيث ارتفاع نسبة الحديد في جسدها أنهك قواها وزاد وجهها شحوبًا.

فرق كبير بين الموت الطبيعي والموت بسبب نقص توفير الأدوية اللازمة للعلاج كما تؤكد “سوسن” التي تعاني إلى جانب 310 آخرين في قطاع غزة من نقص توفير وزارة الصحة الفلسطينية الأدوية اللازمة لحالتهم، وخاصة ما يُعرف باسم “الديسفيرال” المضخة اللازمة لخفض نسبة الحديد في دمهم، والذي يسبب ارتفاعه تدهور حالتهم الصحية.

تناولت هاتفها المحمول وبدأت تقلّب بعض الصور وهي تقول: “من خلال التبرعات أجمع مبالغ رمزية تسهم في مساعدة زملائي المرضى لرسم البسمة على وجوههم وهذا عهد قطعته على نفسي وشيء يجعلني سعيدة، قبل عدة أيام فاجأنا أحد زملائنا بعيد ميلاده وأخبرت جميع الزملاء، رتبت جميع التجهيزات وأخبرت باقي زملائنا وكلنا حضرنا، كان يومًا جميلًا وهو شعر بسعادة غامرة”.

تتطوع الشابة “سوسن” في المجلس الشبابي لمرضى الثيلاسيميا في قطاع غزة، وهو جسم طوعي مكوّن من مجموعة مرضى أخذوا على عاتقهم زرع الابتسامة بين صفوفهم، في ظل غياب الرعاية الرسمية والاهتمام الكافي من قبل وزارة الصحة، حتى باتت حياتهم مهددة بشكل دائم، فهذا العام فقد توفي من بينهم ثلاثة زملاء، وهم يعيشون مأساة توديع بعضهم البعض.

توضح “سوسن”: “لا يوجد جمعيات تهتم بشكل واضح، بل إن وزارة الصحة تقدم بعض العلاج ووحدات الدم التي يحتاجها المرضى كل أسبوع أو أسبوعين، تتدهور صحتنا نتيجة نقص الأدوية والعلاج، ونُصاب بأمراض أيضًا بسبب هذا النقص”.

أصيبت “سوسن” بمرض القلب واضطرت لتركيب جهاز نقل الدم من القلب إلى الأوردة، وهي تناشد من أجل تحويلها لمتابعة علاجها بالخارج ولكن لا يستجيب أحد، أما جمعية أصدقاء مرضى الثيلاسيميا فمقرها مدينة رام الله وبسبب الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لا تستطيع إدخال الدواء لهم بشكل مستمر، لكنها قدمت بعض جلسات الدعم النفسي والتدريبات المهمة وبعض الأدوية.

تقول “سوسن” وهي تقلّب المزيد من الصور على هاتفها النقّال: “هذه صديقتي “سماهر” قبل وفاتها، وهذه “ريما” التي توفيت مؤخرًا، كان آخر كلماتها لي الله يرضى عليكِ، هم صديقاتي فقدتهم نتيجة قلة العلاج، وأحاول بدوري أن أسعد باقي المرضى، رغم أنني بحاجة لمن يسعدني”.

ويعاني قطاع غزة منذ سنوات من نقص حاد في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة والتضيق على الطواقم العمل الطبي والجمعيات الأهلية الخاصة التي تقدم بعض الخدمات الطبية للمرضى، بالإضافة الى انعدام بعض الأدوية أو دخولها بكميات محدودة، كما يعاني قطاع غزة أيضاً من غلاء الكثير من الأدوية المخصصة لأمراض مثل الثيلاسيميا والسكر والقلب وغيرها من الأمراض الخطيرة والتي تهدد حياة المرضى دون قدرتهم على شرائها بسبب الظروف الاقتصادية في قطاع غزة وتفشي الفقر والبطالة والكثير من الإشكاليات المتراكمة على مدار 15 سنة من الانقسام الفلسطيني وعلى رأسها إشكالية التحويلات العلاجية في الخارج.

كما تعاني مستشفيات القطاع من نقص في الطواقم الطبية المتخصصة والأدوية والأجهزة الطبية وهو ما يتسبب بكوارث صحية يعاني منها معظم السكان في قطاع غزة، يضاف الى ذلك إشكالية منع المرضى من الخروج للعلاج في الضفة الغربية والتضيق المتعمد عليهم وهو في إطار سياسات إسرائيل المتمثلة بالعقاب الجماعي للسكان في قطاع غزة.

ورغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 أقر الحق في الصحة والرفاهة بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بظروف معيشية صحية وحق الأفراد في اتخاذ القرارت الخاصة برعايتهم الصحية، وقانون الصحة العامة الفلسطيني رقم ” 20 ” لعام 2004 يلزم السلطة بتوفير العلاج للأمراض السارية ألا أنه ما زال النظام الصحي الفلسطيني يحول دون إعمال تلك الحقوق والضمانات الواردة في القوانين الوطنية والدولية لحقوق الانسان.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى