شيب المسنّات “يُهان” تحت سياط العنف الأسري

غزة/ بقلم عزة أبو زايد:

يقولون إن كبار السن بركة البيوت وهم النور الذي نهتدي به، بلسمٌ يضمد جراح صراعنا مع الحياة ونتعلم من خبارتهم الحياتية وهم نبع الحنان لأطفالنا، لذا من الطبيعي أن ننشد رضاهم ونجتهد سعيًا لراحتهم تقديراً لدورهم في صناعة حياتنا.

لكن المؤسف أن يحدث العكس، نعم، هناك مسنّات يشتكين التعنيف اللفظي وأحياناً الجسدي وسوء المعاملة والاهانة بعد ما قدمن لعائلاتهن تضحيات لا يمكن إنكارها، فما وجدن في الكبر إلا التأفف والنكران.

أم أحمد “70 عامًا” تسكن جنوب مدينة غزة، تروي لمركز الإعلام المجتمعي تعرضها للعنف وسوء المعاملة بسبب كِبر سنها على يد ابنها وتأففه الدائم خاصة كونها مريضة بالضغط والسكر وتحتاج إلى رعاية مستمرة.

قلب ولدي حجر

بحسرة تقول: “لما كنت بصحتي كنت أحمل البيت على كتفي، أُحضر الطعام والخبز وأنظف البيت وأُقدم الرعاية لأحفادي وفي المقابل ابني وزوجته يتهربون من المسؤولية لتقع عليَ وحدي”، فقد قمت بتربية “أحمد” كأنه وحيدها رغم وجود ثلاث شقيقات له.

تضيف: “تزوج في منزلي وأنجب أبناءه الخمسة وبعدما كبرت بدأ يتأفف من وجودي، رغم ما فعلته من أجله طوال العمر وحين تدهورت حالتي الصحية أرسلني إبني “أحمد” إلى بيت ابنتي المتزوجة كي ترعاني ولم يسأل عني”.

كانت “أم أحمد” بحاجة إلى نفقات علاج ومصاريف شخصية، وكل ما تحصل عليه من مخصصات مالية اجتماعية لا يكفي ثمناً لوصفة العلاج الطبي التي يكتبها الطبيب، ناهيك عن الوضع النفسي المتدهور الناتج عن تراجع وضعها الصحي وتعرضها للتعنيف وسوء المعاملة، فهي التي كانت تشغل نفسها من أجل الجميع، الآن كلهم لا يجدون وقتًا للاعتناء بها ولا حتى لسماع شكواها.

أخي أنكرني

أما عائشة “65عامًا” فهي سيدة لم تتزوج وفضّلت الاهتمام بأشقائها الذين أهملوها عند الكبر، تروي بحزن: “كنت موظفة أنفق على نفسي وبيت أخي وعندما تقاعدت أخذ بطاقة الصراف الآلي الخاصة بي وأصبح يتسلم راتبي بنفسه ويمنحني فقط 100 شيكل شهريًا من حقي المالي التقاعدي، فلا أجد نفقات العلاج الخاص بي ولا أستطيع شراء ما احتاجه من أساسيات كالملبس أو المأكل والمشرب وكلما طلبت منه القليل من راتبي يتجاهلني ويقول ليً “بعدين”.

كل هذا يُضاف إليه تعرضها للتعنيف اللفظي المستمر حيث أنها تتعرض على حد قولها للشتائم كلما طلبت منه طلبًا مما جعلها تشعر بالدونية وفقدان الثقة بالنفس وكرهت التواصل الاجتماعي واعتزلت الناس مكتفية بغرفتها.

تستذكر “عائشة” شبابها قائلة:” كنت أرفض عروض الزواج من أجل تربية أخي الذي هو وصية والدي “رحمه الله”، فقد وقفت إلى جانبه حتى أسس لمستقبله، مرت الأيام وضاع العمر وها هو الآن لم يقدّر ما فعلته من أجله وقابل كل هذا بالجفاء والقسوة، أفكر جديًا في ترك البيت والذهاب إلى بيت المسنين”.

المزاح القاتل

قصة أخرى تخبرنا بها أم علاء “68عامًا”، فالعنف كان يأتيها على شكل مزاح، لكنه قاتل لقلبها، فالسيدة التي تعاني منذ سنوات مشاكل صحية عانت من تعنيف من أبنائها الثلاثة وزوجها.

تقول “أم علاء”: “ما كنت أتحمل الأعمال المنزلية وحدي دون مساعدة أحد وأخدم الجميع وكان زوجي يراني ويرى الحياة جميلة معي، حتى تعبت جسدياً ولم أعد قادرة على الوقوف بسبب آلام الظهر”.

في البداية دللها الجميع وبعد مدة بدأ التنمر يكسو لهجتهم متأففين من وضعها الصحي، لدرجة أن أحد أبنائها قال لها: “بطلتي تنفعي صار لازم نجوّز بابا”، أما الزوج فقد تغيّر معها حتى فوجئت فعلًا بزواجه من سيدة أخرى بحجة أنها مريضة.

تضيف: “عجزت عن فعل أي شيء، حيث أن وضعي الصحي أصبح أسوأ والنفسي كذلك، نحن في مجتمع ينظر للمرأة التي تعاني أمراضًا على أنها بلا قيمة وينكر كل ما قدمته لأجل عائلتها والمجتمع، رغم أنها كنز حكمة وخبرة”.

إهمال رسمي

تشير إحصائية السكان في فلسطين لعام 2021، إلى أن 5% من سكان فلسطين هم ممن تزيد أعمارهم عن 60عامًا، عددهم يقارب 269 ألف نسمة، بينهم 146 ألف أنثى، كما أشارت إحصائية مسح العنف الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2019 إلى أن 8% من كبار السن في فلسطين عانوا من أحد أشكال الإساءة، 12.4% منها إساءة نفسية، و21% إهمال صحي، و1.7% إساءة جسدية، و1.6% إساءة اقتصادية.

تقول منسقة مشاريع جمعية رعاية كبار السن “نادية الهشيم”، إن كبيرات السن يواجهن تحديات كبيرة في المجتمع، أبرزها إبقائهن مدمجات داخل المجتمع الفلسطيني، ففي مرحلة متقدمة من العمر يشعرن أنهن دون قيمة بعد أن تزوج الأبناء والبنات وأصبح لكل منهم حياة مستقلة.

فالخدمات المقدمة لهن بسيطة ومتواضعة في مجتمعنا، وفقًا “للهشيم”، فإن أغلب المشاريع والأفكار والبرامج تذهب للشباب أو ذوي الإعاقة ولا أحد يهتم بكبار السن وكأنهم أصبحوا لا شيء في المجتمع، فلا أحد ينظر لاحتياجاتهم، خاصة أنهم يتعرضوا للتعنيف داخل المنازل وأحيانًا خارجها.

توضح “الهشيم” إن كبار السن إذا تصرفوا بشكل لا يرضي الأبناء يتم مواجهتهم بالتعنيف وهذا يخالف حتى عاداتنا وتقاليدنا بالإضافة الى مخالفة الحقوق الإنسانية والقانون في بعض الحالات التي يتعرض فيها كبار السن للتعنيف الجسدي وكثيرًا ما يتعرضن للعنف في الشارع خاصة من السائقين الذين يرفضون أن يقلّوهن كونهن بحاجة إلى مساعدة أو يستخدمن أداة مساعدة مثل “الووكر” أو غيره وربما يرفض البعض تقديم المساعدة لهن إلى جانب تقصير البلديات في تقديم الخدمات اللازمة لكبار السن والفئات من الأشخاص ذوي الاعاقة، فلا يوجد أي وسيلة نقل خاصة لتلك الفئات أو طريق واحد لخدمتهم أو مصاعد مخصصة لهم، وكثيرًا ما تتعرض تلك الفئة من كبار السن لألفاظ جارحة متعلقة بوضعهن الصحي، مثل “أنتِ عاجزة”، وهو ما يؤثر على معنوياتهن.

إن كبيرات السن هن نساء ذوات خبرة في الحياة، ونحن بحاجة إلى تقديم كل الجهد المادي والمعنوي والصحي لهن وإيجاد مشاريع خاصة بهن، من أجل وقف العنف الموجّه ضدهن ولذلك نؤكد على الحاجة للمزيد من البرامج الأهلية التي تعتني بمثل هذه الفئات ومزيداً من مشاريع الخدمات لهم، فهذه الظاهرة متفشية وبحاجة إلى تكثيف جهود مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة الرسمية.

هذا ويذكر بأن دولة فلسطين لم تعتمد قانوناً خاصاً بكبار السن في فلسطين، وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة إقرار قانون خاص بكبار السن، وايضاً من الضروري أن تحتوي مسودة قانون حماية الأسرة من العنف، مواد قانونية تحمي المسنين من أي عنف منزلي موجه ضدهم.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى