بعد معاناتها رنا: ” قررت أن لا أكون عبء على أهلي”
غزة – CMC – ترنيم خاطر
رنا ذات الأربعين عاماً، أم لثلاثة شباب في سن الزواج، تعيش معهم في إحدى أحياء مدينة غزة، في بيت مرتب وجميل، تغلب عليه المشغولات اليدوية والمطرزات من مفارش ووسادات.
تروي قصتها التي بدأت من الأردن ثم لغزة، وبعدها الإمارات تقول:” كنت أعيش مع عائلتي في الأردن عندما جاء زوجي لخطبتي بعد أن رآني لمرة واحدة عند نزوله إلى الأردن لعمل له، وتعرف علينا، وبعد فترة جاء إلى الأردن وخطبني”.
” كان وضع أهلي الاقتصادي جيد جداً ولأنهم فلسطينيون كانوا يفضلون لي الزواج من فلسطيني مثلنا، وتمت الخطبة وبعد فترة قصيرة أخدني إلى غزة لأتفاجأ بعدم وجود بيت خاص به, وأنني مضطرة للعيش في بيت عائلته في غرفة صغيرة، ومع اقناعه لي بأنه قريباً سيقوم بالبناء قبلت، وتزوجنا”.
تضيف: “بعد أسبوعين من الزواج انتقل للعمل إلى الإمارات وتركني عند أهله بدون أي مصروف، فقد كنت أصرف على نفسي مما جمعته من أهلي، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أنني أصبحت خادمة عند أهله، مهمتي في البيت التنظيف والغسيل والترتيب وغيرها من الأعمال المنزلية”.
بحزن: ” بقيت أنتظر عودته أو أن يرسل لي لألحقه لكن دون جدوى، كنت قد نسيت شكله، فطلبت من حمايا أن يساعدني بالذهاب إليه، فقال لي هات كل ذهبك لأسفرك إلى زوجك، لكنها كانت كذبة للاستيلاء على ذهبي، وعندما علم أهلي بوضعي طلبوا مني العودة إلى الأردن، ومن هناك نسق لي والدي وأرسلني إلى زوجي”.
وتتابع رنا قائلة:” عندما وصلت إلى المطار كان زوجي في انتظاري، لأتفاجأ بأنه يعيش في بيت أخية في غرفة صغيرة وحمام، وتفاجأت أيضاً بتركه للعمل، فبدأت معاناتي من جديد، ضاق صدري من هذا الوضع وطلبت منه أن يرجعني لأهلي لكنه رفض، وتدخل أخوه الأكبر الذي يسكن في منطقة أخرى وكحل للمشكلة وفر لي غرفة مستقلة في بيته بشرط أن أذهب لوحدي دون زوجي”.
” كانت سلفتي قد أنجبت وقتها طفلاً، وكنت أنا من يرعاها ويخدمها ويقوم بكل أعمال المنزل مقابل اقامتي وأكلي وشربي، وكان يأتي زوجي كل يوم خميس لرؤيتي، وبمجرد وصوله كانت تقوم سلفتي بإرسال أولادها للنوم عندي، ولا تتركنا لوحدنا، فلم يلمسني زوجي لمدة ثلاثة شهور منذ وصولي إلى الإمارات، كانت حياتي لا تطاق”.
” وفي إحدى المرات وجدت قريباً لي بالصدفة في الطريق، وعندما علم بوضعي قرر شراء بيت لي ولزوجي واعطائه مبلغاً من المال لفتح مشروع صغير يدر علينا دخلاً نسير به حياتنا”.
انتقلت إلى بيتي الجديد وشعرت حينها أنني انتقلت من النار إلى الجنة ولم أكن أعلم أن النار يشتد لهيبها، تقول بحسرة وألم:” بدأت أتعرف عليه أكثر وأكتشف شخصيته عن قرب فلم تمكنني الظروف من التعرف عليه، ولم أكن أعلم أنه مريض نفسياً، فقد كان يعتدي علي ويضربني بشدة، كنت أحاول أن أتفهمه وأعمل جاهدة من أجل اسعاده وارضاءه، لكنه في المقابل كان يعاملني بعدم اهتمام وعدم مبالاة، وكان يخاصمني بالأسابيع ولا يتحدث معي”.
تضيف:” وخلال تلك الفترة كنت الاحظ نومه الكثير وغيابه عن عمله، وحينها انتابني الشك في أن زوجي يتناول شيئاً ما، وبعد فترة تأكدت من شكوكي عندما رأيته يتناول حبوباً كثيرة، وعندما سألته عنها تهرب من الإجابة، فزاد شكي وأخذت تلك الحبوب إلى الصيدلية المجاورة، ليخبرني الصيدلي بأنها حبوب مخدرة أسمها “ترامادول”.
تتابع رنا وقد غابت عنها ملامح الابتسامة: “عدت إلى البيت بحسرتي وانتظرته حتى عاد من عمله لأخبره أنني قد علمت أنها حبوب مخدرة، جن جنونه، وانهال عليا بالضرب بحجة خروجي من البيت دون إذنه، ومن ذلك اليوم أصبحت حياتي جحيم “.
تنهدت رنا قليلاً وأكملت حديثها قائلة :”بعد عام من زواجي أنجبت طفلي الأول، فقد كان شديد القسوة مع أولادي، أتذكر عندما كان طفلي الأول في السنة الأولى من العمر قام بضربة وايقاعه أرضاً لعدم تحمله صوت بكاءه”.
رزقت بثلاثة أطفال وكنت أنا من يصرف عليهم، وعلى والدهم وأسدد كل فواتير البيت من ماء وكهرباء، أطبخ الطعام وأقوم ببيعه لسكان المنطقة، بعد أن قام ببيع مصدر الدخل الوحيد لنا وهو سوبر ماركت صغير لشراء تلك الحبوب المخدرة .
“بقيت على ذلك الحال خمس سنوات، حتى شعرت أنني لن أستطيع التحمل أكثر من ذلك أخبرته حينها أن والدتي بحالة صحية سيئة ومن الضروري أن أعود إلى الأردن لأتمكن من رؤيتها قبل وفاتها ومع إصراري وافق على ذلك، وأخبرت أهلي بكل معاناتي، وصدموا مما جرى معي، وحصلت على الطلاق بعد معاناة ثلاثة سنوات بين المحاكم بعدما تنازلت عن جميع حقوقي من أجل الخلاص”.
وحينها قررت رنا أن لا تكون عبء على أهلها، وأصرت أن تكون قوية، ثابرت وتعبت على نفسها وتعلمت فنون التطريز والخياطة وافتتحت مشغلاً صغيراً، وبدأت تعمل فيه المشغولات اليدوية، بالإضافة إلى عمل بعض الأكلات الشعبية وبيعها، تقول:” الحمد لله استطعت أن أعلم أبنائي في المدارس والجامعات وأن أربيهم تربية حسنة فأصغر ابن عندي في الثانوية العامة، كبروا وأصبحوا شباباً أفتخر بهم”.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)