الكل له حق في راتب ياسمين إلا هي!

رفح/ بقلم: محمد الكحلوت

“أنا نادمة على الوقت الذي أضعته في الدراسة وعلى اليوم الذي التحقت فيه بوظيفة، من يُصدّق أن مهندسة مثلي تحصل على راتبٍ كبيرٍ لا تملك في جيبها أكثر من مصروفٍ شخصي، راتبي سبّبَ لي معاناة بدلًا من أن يكون سببًا لسعادتي”.

بهذه الكلمات استهلت المهندسة “ياسمين” حديثها وهي تروي لمركز الإعلام المجتمعي كيف تحوّل الراتب من نعمةٍ يفترض به إسنادها في حياتها إلى نقمةٍ في حياتها الزوجية.

ياسمين (اسم مستعار) مهندسة في أواخر العشرينات من العمر، حين درست بالجامعة كانت تحلم باليوم الذي تتخرج فيه وتحصل على راتبٍ يمكّنها من بناء شخصيتها ومستقبلها وتدّخر كيفما تشاء لصغار حلمت بإنجابهم، شيّدت في خيالها صورةً لمنزل المستقبل برفقة زوجٍ يشبه أحلامها الرقيقة.

أول صدمة واجهتها هي البطالة المستشرية في قطاع غزة، والتي تزيد بين صفوف الإناث، سرعان ما ابتسم لها الحظ فحصلت على وظيفة، ثم ابتسم مجددًا وارتبطت بزوجٍ موظّف، حسنًا يمكنهما سويًا بناء بيت المستقبل، ولكن لم تأت رياح الزواج بما اشتهته سفن أحلامها.

تنهّدت ياسمين وهي تروي: “منذ بداية زواجنا ظهرت المشاكل بسبب راتبي، على مدى (6) سنوات لم أفرح يومًا براتبي، فزوجي كان يحصل عليه شهريًا عن طريق الصراف الآلي، بحجة أنه المسؤول الأول والأخير عن الإنفاق على البيت، أما أنا فيعطيني مصروف يومي تمامًا كما أطفالي الاثنين”.

صمتت ياسمين قليلًا ثم تابعت بعد أن قطّبت جبينها: “أي شكوى أقدمها؟ ولمن، لأهلي؟ لم أكن أريد المشاكل مع زوجي، والشجار بيننا أصبح اعتياديًا، يعتقد أن حصوله على راتبي هو حق له مقابل سماحه لي بالخروج من المنزل يوميًا، وأنه الأقدر على إدارة أمور البيت”.

المشكلة الأكبر التي تجعل زوجها عصبي المزاج دومًا، أن راتبها أعلى من راتبه، فأي موظفة هذه التي لا تملك قرار شراء فستان تحضر به حفل زفاف أو المشاركة في أي مناسبة، وأي موظفة تلك التي لا يمكنها اتخاذ قرار شكل الهدية لقريبة أو قريب ما.

تكمل ياسمين: “منذ عامين طلب زوجي مني أن أتقدم بطلب الحصول على قرض من أجل شراء قطعة أرض لبناء منزلنا المستقبلي عليها”، تضحك بسخرية وتقول: “نعم يجب عليكم أن تصدقوا أننا لا نملك بيتًا مستقلًا حتى الآن، ونعيش في بيت العائلة”.

وافقت ياسمين على أمل أن يصبح لديهما بيتًا مستقبليًا، لكنها تردّدت حين رفض الحصول على قرض هو أيضًا من راتبه، بحجة أن راتبه لا يكفي، لماذا يقبل أن يكون القرض منها فقط، أليسوا شركاء في بناء البيت المستقبلي كما يقول لها!

مع رفضها الحصول على قرض، طلب منها مجددًا قرضًا آخر، هذه المرة يريد افتتاح مشروع مع صديقٍ له، وأيضًا ليس من راتبه، بل راتبها، رفضت وأصرّت على العودة لفكرة شراء أرض كونها الأكثر ضمانًا لمستقبلهما ومستقبل صغارهما.

هناك استشاط الزوج غضبًا، تقول ياسمين، كيف لها أن ترفض، أصبح الشجار يوميًا بعد أن كان متقطعًا، بدأت تشعر بالدونية وأنها ليست ذات قيمة لديه، تغيّرت معاملته تمامًا منذ ذلك الحين، وأصبح شديد القسوة والعنف والغضب الدائم، بل الأكثر أنه حرمها زيارة أهلها أو الخروج لشراء الملابس.

صبرت الشابة مدّة طويلةً علّه يتغير ولكن كما تعقّب: “ظل الوضع على حاله، وهنا لم يكن أمامي خيارٌ سوى الذهاب إلى بيت أهلي وإخبارهم بكل شيء ويا للصدمة حدث ما لم أتوقعه، أهلي دافعوا عن موقفه، وقالوا هو أدرى بمصلحتكما، بل فلتحمدي الله أننا لا نطالب بجزء من راتبك مقابل تعليمنا لكِ”.

كانت صدمة ياسمين كبيرة، فهي الشابة المتعلمة التي تدرك أن راتبها عصب حياتها، يمكّنها من بناء شخصيتها المستقلة، وهو عامل أساسي لتحقيق توازن الأسرة واستقرار الحياة الزوجية عندما يحدث التكامل.

كيف انقلب زينة الحياة الدنيا إلى نقمة عليها، وخلافات ونكد يومي، وشعور بأنها مجرد آلة في هذا البيت، تتساءل الشابة، التي تأثّر وضعها النفسي بشكلٍ كبير، حتى بدت علامات الحزن بادية على وجهها بشكل دائم.

وتكمل: “بل إن الوضع وصل إلى حد تهديدي بحرماني من صغاري إن لم أسلّمه الراتب، العلاقة بيننا أصبحت سيئة بسبب إصراره على السيطرة على مالي، والإساءة المتكررة لي، الأقسى هو شعوري بأن هذا الأذى يترك علامات على نفسيتي وشعوري بأنني لست مستقرة عاطفًا ونفسيًا”.

تشكو ياسمين من آثارٍ نفسيةٍ سيئةٍ نتيجةً للعنف الذي تتعرض له، فأصبحت تعاني من انعدام الرغبة في العمل والتطور وتشعر بالنقص والحاجة وعدم القدرة على تحقيق الذات، وتولدت لديها مشاعر سلبية تجاه زوجها والعيش في جوٍ مشحونٍ دائم النزاع والشجار جعلها تفقد الثقة في إمكانية استقرار حياتها الأسرية.

تختم متسائِلة: “لا أعرف لماذا علينا كنساء السكوت دومًا على كل هذا، من أجل أطفالنا، نعم لا يجبرنا على هذا إلا الخوف على صغارنا”.

تتزايد مشكلات النساء الفلسطينيات المرتبطة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي والذي تعرفة مفوضية الأمم المتحدة السامية كمصطلح شامل “لأي فعل ضار يرتكب ضد شخص يستند الى إلى الفوارق المحددة اجتماعياً بين الذكور والنساء ويشمل الأفعال التي تلحق الأذى أو المعاناة الجسدية والنفسية والاكراه والتهديد وكافة اشكال الحرمان ويمكن أن تحدث هذه الأفعال في العلن والخفاء، ويأخذ هذا المصطلح الشامل من العنف طابع اجتماعي واقتصادي، حيث تتعرض النساء الفلسطينيات الى أنواع متعددة من التعنيف على يد أزواجهن في مجتمع يمنح الرجل الحق في ممارسة السلطة المطلقة على النساء مما يسمح باستغلالهن في الكثير الحالات وهو ما يتسبب لهن بالأذى النفسي والجسدي في ظل غياب ثقافة الوعي المجتمعي تجاه التشاركية والمساواة بين المرأة والرجل وغياب القانون القاضي بحماية النساء من التعرض للتعنيف الأُسري وكذلك الأطفال.

ويشمل العنف المبني على النوع الاجتماعي انتهاكاً لحقوق الانسان يؤثر بالدرجة الأولى على النساء والفتيات والأطفال كنتيجة تلقائية لممارسة هذا النوع من العنف المبني على النوع الاجتماعي.

ويحدث هذا النوع من العنف عادةً دون الإبلاغ عنه بشكل كاف ومن الضروري توفير خدمات استجابة كجزء من جهود الحماية.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى