حكاية الطفلة ليلى…هل نجت من ظلّت وحيدة بعد مجزرة؟

حكاية الطفلة ليلى…هل نجت من ظلّت وحيدة بعد مجزرة؟

 

غزة – نغم كراجة:

“ما بعرف كيف أجاوبها… كل يوم بتسأل: وين ماما؟ وين بابا؟ وأنا ما عندي كلام يريحها، “بهذه الكلمات تبدأ ابتسام زيدية حديثها عن ابنة شقيقتها، ليلى، الطفلة التي لم تكمل عامها الثالث، ووجدت نفسها وحيدة، بعد أن فقدت أسرتها في قصف على حي الصحابة منتصف فبراير 2024.

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يوم 7 أكتوبر 2023م، نزحت عائلة فايز الخضري والد ليلى، وزوجته لبنى التي كانت على وشك الولادة، من بيتهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بحثًا عن الأمان، أقاموا في منزلٍ مكتظٍ بالنازحين غرب مدينة غزة، حيث كانت العائلات تتقاسم الغرف القليلة، وكل مساحة ضيّقة تتحول إلى مأوى.

تقول الخالة ابتسام: “رغم القصف والمجاعة، فضّلت عائلة شقيقتي لبنى البقاء شمال قطاع غزة، وعدم النزوح إلى جنوب القطاع، حين أجبر جيش الاحتلال الناس على ذلك، كانت مغادرة المدينة محفوفة بالمخاطر، أحيانًا يقضون النهار خارج المنزل لتخفيف الاكتظاظ، والعودة نهاية اليوم عند موعد النوم”.

نزحت عائلة الطفلة ليلى لاحقًا إلى مدرسةٍ في شارع الصحابة بحي الدرج وسط مدينة غزة بحثًا عن الأمان، لكن القصف لم يترك لهم فرصة للنجاة، قصف مفاجئ دون سابقِ إنذار، وفي لحظة واحدة، انتهت حياة 120 فردًا، بينهم والد ليلى ووالدتها الحامل التي كانت على وشك الولادة، وشقيقتها التي تكبرها بعامين.

“وصلني خبر القصف، ركضت على المستشفى، وما كنت أعرف إنه ليلى نجت.. لما شفتها.. ما عرفتها.. وجهها كان متورّم، وجسمها كله كدمات، كانت تبكي، بس لما سِمعت صوتي، مدت إيدها… وقتها بس عرفت إنها ليلى”، تقول ابتسام.

نُقلت إلى المستشفى بلا هوية، بلا اسم يعرفه الأطباء، كانت درجة حرارتها مرتفعة، والممرضة تحاول تهدئتها، لكن لم يكن هناك من يسأل عنها.

احتاجت ليلى علاجًا للحروق، لكن المستشفى كان يعاني من نقصٍ حاد في الأدوية “الممرضة قالت لي لازم نجيب المراهم من الصيدليات الخارجية، بس الأسعار كانت خيالية.. كيف بدي أدبرها؟ ما كنت أعرف، بس كنت مستعدة أعمل أي شيء مشان تتحسن”، تروي الخالة وهي تحتضن الطفلة ليلى.

بعد شهرٍ من العلاج، خرجت ليلى من المستشفى، لكن الضرر كان قد وقع، عينها اليمنى لم تعد كما كانت، وبؤبؤها فقد القدرة على التفاعل الطبيعي مع الضوء، “لم تكن الجروح في جسدها وحدها المشكلة، بل الألم النفسي الذي يزداد يومًا بعد يوم” تقول ابتسام بأسى.

ويعدّ ما تعرّضت له ليلى وعائلتها والنازحين في المدرسة وقتل المدنيين، انتهاك لنص المادة (32) من اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين وقنت الحرب، والتي تحظر على القوة المحتلة اتخاذ تدابير تؤدي إلى المعاناة الجسدية، أو القضاء على السكّان المحميين، خاصة القتل أو التعذيب أو الإبادة الجماعية.

منذ خروجها، لم تفارق خالتها، كلما سمعت صوت انفجار، كانت تركض نحوها، تقول ابتسام: “تختبئ عندي، تلزق فيّ (تلتصق) وما تتركني.. كل ليلة قبل ما تنام بتحكيلي: ماما، احضنيني”.

ابتسام لم تكن غريبة عن تربية الأطفال، فهي أم لثمانية، أربعة منهم متزوجون، كرّست حياتها لتربيتهم، لكنها لم تجد صعوبة في التأقلم مع ليلى رغم الألم الذي تعيشه الطفلة، زوجها الذي كان من عمال الداخل المحتل، احتُجز في الجنوب منذ بداية الحرب، لتجد نفسها وحيدة تعيش على المساعدات الإغاثية القليلة التي تصل بصعوبة.

توجب المادة (24) من نص اتفاقية جنيف توفير الحماية للأطفال المتأثرين بالحرب، خاصة الذين يعانون من الصدمات النفسية، كما تنص المادة (55) على أن القوة المحتلة مسؤولة عن تأمين الغذاء والاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين، ومنع المجاعة أو نقص التغذية.

ابتسام التي تعيش حاليًا في حي الشجاعية، هي الوحيدة المتبقية في شمال غزة لشقيقتها لبنى، وكانت تزورها بين حينٍ وآخر، اليوم وجدت نفسها مسؤولة عن طفلة لم تعد تعرف سوى الخوف والصمت.

في ظل الحرب، لم يكن تأمين الطعام سهلًا، تروي: “طلبت ليلى تفاحة، وأنا دورت عليها في السوق، حتى لو سعرها غالي.. كيف بدي أقولها لا؟ فقدت كل شيء، ما بقدر أحرمها حتى من الأكل”.

السؤال الذي لا يغيب “كل يوم بتسأل: ليش بابا ما رجع؟ ماما متى بترجع؟” تحاول ابتسام التهرب لكنها تعرف أن ليلى ستفهم يومًا ما.

تختم الخالة: “لما تكبر، راح تعرف إنها الناجية الوحيدة، وإنه عيلتها راحت في لحظة.. بس أنا؟ راح أعيش كل عمري أحاول أعوضها، وأنا بعرف إنه في فراغ، مستحيل يتعوض”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى